الثلاثاء، 29 أبريل 2008




فتاوى المرتد

اعتبارا من يوم 18 فبراير 2008 سُحبت الفتاوى المشار اليها فى هذا المقال من موقع ltafsir.com . و الوصلة المذكورة ادناه التى كان من المفروض ان تأخذ القارئ لهذه الفتاوى تبدلت و بدلا عن الفتاوى ستأخذك هذه الوصلة لتعليق يقول ’لم ترد اسئلة على هذا الموضوع‘





فتاوى المرتد و ’كلمة سواء بيننا و بينكم

15 فبراير 2008

بقلم مارك ديورى
mjdurie@gmail.com





مقدمة و ملخص




كلمة سواء بيننا و بينكم هى رسالة مفتوحة مُرسلة من مؤسسة آل البيت الملكيه للفكر الاسلامى الاردنيه و مؤرخة
بتاريخ 13 اكتوبر2007 . الرسالة موجهة للبابا (بابا الفاتيكان) و القادة المسيحيين و قد وقع على هذه الرسالة 138 من قادة المسلمين من جميع انحاء المسكونة. هذه الرسالة تدعو المسيحيين للاتفاق مع المسلمين على مبادئ حب الله و حب الجار، من اجل
الوفاق وتحقيق العدالة و حرية الدين.

هذه المذكرات المقدمة هنا تقوم بتوثيق ما قامت به مؤسسة آل البيت الملكيه من ارسال العديد من الفتاوى القضائية الى موقعها
الالكتروني، و التى تدين فيها تاركى الإسلام حتى الموت، وخصوصاً المسيحيون الذين تركوا الإسلام. وفيها تقول اذا لم يُقتل المدعو مرتداً فانه يفقد اهليته القانونية و يصبح فى حكم المعدوم، فهو يفقد كل حقوقه القانونية. احدى هذه الفتاوى تذكر احد المسيحيين الاردنيين بالأسم و تدعوه مرتداً.

هناك تناقضاً فى مسلك مؤسسة آل البيت الملكيه. فمن ناحية تدعو المؤسسة المسيحيين لان يأتوا مع المسلمين على أساس
مبادئ الحب و الإحترام المتبادل و لكن من الناحية الاخرى تقوم المؤسسة بأصدار حكم الموت على بعض المسيحيين فقط لانهم غيروا عقيدتهم الدينية و خرجوا عن الإسلام. يجب على المسيحيين ان يشيروا الى هذا التناقض وعدم المعاملة بالمثل فى حوارهم مع
المسلمين عن الاديان. على مؤسسة آل البيت الملكيه ان ترفع عن صفاحاتها الالكترونية هذه الاقوال التى تحض على الكراهية، و على المسيحيين الذين وقعوا بدون تحفظ على رسائل مرحبين برسالة ’كلمة سواء‘ ان يسحبوا توقيعاتهم.

altafsir.com

الرسالة المرسلة للمسيحيين و المعروفة ب كلمة سواء جاءت و كانها تؤييد حب الجار حيث نصت الرسالة على ان ’العدالة
و حرية الدين عنصران هامان فى شأن محبة الجار‘. ولكننا يجب ان ننظر بدقة فى ما اذا كان موقعى كلمة سواء لهم نفس الفهم ’لحرية الدين‘ و ’للعدالة‘ كما يفهمها جمهور المسيحيين المقصودين بهذه الرسالة. كيف للمرئ ان يتعرف على هوية هؤلاء
الاشخاص الذين كتبوا و وقعوا هذه الرسالة؟

مؤسسة آل البيت الملكية التى قامت باصدار رسالة كلمة سواء تعمل فى مجال الحوار بين الاديان مع المسيحيين، ويمكن
الحصول على هذه المعلومات فى acommonword.com و هو الموقع الالكترونى لمشروع كلمة سواء. اذا قام القارئ بزيارة هذا الموقع و تتبع الوصلة المسماة موقع التفسير سيصل الى altafsir.com . هذا موقع منفصل تديره المؤسسة، يعتبرالموقع مستودعاً للمعارف الاسلامية. هذه المواد تأتى بتأييد من اعلى المستويات. ففى الصفحة الرئيسية لموقع altafsir.com هناك تأييد من احمد الطيب رئيس جامعة الازهر.




قد سعدنا بالأطلاع على الموقع ووجدناه بحراً زاخراً بدرر كتب التفسير و امهات المراحع و المصادر فى هذا الحقل الاساسى فى علوم الاسلام و تراثه.


و نصت الصفحة الرئيسية ايضاً على الآتى:

إن موقع " التفسير" (altafsir.com) موقع إلكتروني مجاني، غير ربحي، يمكّن المُسْتَعْمِل من الوصول إلى أضخم مجموعة من تفاسير القرآن الكريم، وترجمات معانيه، وتجويده، والمراجع الأساسية في العالم حوله.

هذا الموقع منتشر انتشاراً واسعاً. فى نهاية الصفحة الرئيسية من altafsir.com نقرأ انه منذ 2006 و الى فبراير 2008 بلغ مجموع الزوارغير المتكررين 2. 6 مليون زائر.


من المناسب جداًً ان يقوم القارئ المسيحي لكلمة سواء بدراسة التعاليم الموجودة على صفحات altafsir.com حتى يتمكنوا من الحصول على فهم اعمق عن نشاطات مؤسسة آل البيت الملكية. عموماً قد يصعب هذا على بعض القراء [من غير المتحدثين بالعربية] لأن اغلب
المراجع – وهو من المعقول جداً- متوفر باللغة العربية.



"أسأل المفتى": كبير الباحثين في مؤسسة آل البيت الملكية يفتى بالردة

موقع altafsir.com يحتوى على مجموعة من الفتاوى التى تخاطب الردة
عن الاسلام. فى وقت كتابة هذه المذكرات (فبراير 2008) يمكن ان تجدهم هنا


توجد هذه الفتاوى فى احد اقسام الموقع مُسمى ’اسأل المفتى‘. كاتب الفتاوى هو كبير الباحثين في مؤسسة آل البيت الملكية، سماحة الشيخ سعيد عبدالحفيظ أسعد حجاوي، المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية 1992-2007م. و مفتى عمان سابقاً. يمكن ان تجد مختصر سيرته الذاتية هنا، و فى هذه الصفحة ستجد وصلة تأخذك لتفاصيل سيرته الذاتية و من ضمن نشاطاته الكثيرة كأحد أأمة الفقهاء فى الشرق الاوسط، ستعرف ان الشيخ سعيد الحجاوى قد اشترك فى اعلى المستويات العالمية لاجتماعات الحوار بين الاديان مع المسيحيين.

يعتبر المفتى العام هو اعلى سلطة دينية فى اى امة اسلامية سُنية. و يُطلب الية ان يفتى فى بعض القضايا القانونية. يمكن ن يلجأ الافراد الى طلب الفتوى و ايضاً قد تلجأ المحاكم الى طلب الفتوى. مجموعة الفتاوى المجمعة تكوّن مورداً قانونياً يستند علي حجته فيما بعد.



الشيخ حجاوى هو احد الموقعين على رسالة كلمة سواء، و بإعتباره الباحث الرئيسى فى مؤسسة آل البيت، المؤسسة التى قامت باصدار هذه الرسالة، فلنا ان افترض انة ليس فقط من مؤيدى هذه الرسالة بل من الجائز جداً ان يكون قد ساعد فى اعدادها.


حرر الشيخ الحجاوى فى داخل موقع altafsir.com ستة عشر فتوى عن المرتد (باللغة العربية). بعض هذه الفتاوى مثل الفتوى رقم 3 وفتوى رقم 5 تشير بالتحديد و بالتفصيل لكيفية معاملة المسيحيين الذين تركوا الأسلام.

اما الفتوى رقم 13 فهى شائقة جداً. قدمت هذه الفتوى فى سنة 1996 وقد ورد فيها ذكر احد المسيحيين الاردنيين بالاسم. تحتوى هذه الفتوى على استفسار قانونى من شخص اشاراليه المفتى بانه "الاستاذ المحامى". قُدمت الادله على ان المتهم قد عاد الى المسيحية بعد ان كان مسلماً. ادعى المتهم انه يمارس حقه الدستورى فى الرجوع الى مسيحيته، على اساس ان الدستور الاردنى يضمن حرية انتقاء الاديان. فما هى فتوى المفتى العلم؟ للرد على هذا التساؤل قضى المفتى بانه اذا ثبت ما ورد فى السؤال المقدم اليه يكون الرجل مرتداً. و يحق لاى مسلم يعلم بذلك ان يرفع الامر للقضاء.

هذه الفتوى هامة لانها تدلل على انه بحسب قول المفتى العام ليس للمسلم حرية انتقاء الدين اوالاعتقاد وان المسيحى التارك للاسلام يفقد جميع حقوقه الانسانية.

استشهد المفتى العام بآيات من القرآن و ايضاً بالاحاديث من اقوال محمد لتاكيد على صحة ما افتى به: بعض هذه الشواهد مذكوره ادناه.1

اليك بعض النقاط التى ذكرها المفتى العام فى مجرى فتاويه. ( صيغة المذكر تشير الى المرتد فهى ليست مقصورة على الرجل قد تكون المرتدة امرآه ايضا)

  • المسلم التارك اسلامه يكون مرتداً

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ (آل عمران 3 : 85)

  • تثيت الردة بقول المرتد او باعتقاده.

  • يجب ان يكون المرتد بالغاً سن الحلم و ان يكون عاقلاً

  • لا يكن مرتداً من اكره على ترك الإسلام و كان ما يزال مؤمناً فى قلبه.
مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ َذَابٌ عَظِيمٌ ( النحل 16: 106)
  • قبل الحكم باردة يجب استتابة المرتد و عرض الاسلام عليه من جديد.

قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (الانفال 8: 38)
  • وعقوبة القتل ايضا حائزه على تأييد واضح فى احاديث محمد.

قال الرسول ’من بدل دينه فاقتلوه‘ 2

محمد صرح بقتل المسلم فى ثلاث حالات: "لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس ( المعرف بالقتل غير الفانونى)، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة".3




الاثار المترتبة على الحوار

يبدو لنا ان موقعى رسالة كلمة سواء لا يفهمون مبادئ العدالة و حب الجار و حرية الاديان بنفس الطريقة التى يفهمها غالب المسيحيين5.كبير الباحثين فى مؤسسة آل البيت الملكية و الذى يعتبر من الشخصيات البارزة التى وقعت على كلمة سواء يدعو لقتل المسيحيين الذين تركوا الاسلام و اعتنقوا المسيحية، و اذا لم يقتلواهو يدعو بان تسقط عنهم كل حقوقهم ويكون حكمهم كالمعدوم (اموات ولكنهم يمشون). و بالطبع لان هذه الفتاوى متاحة للقرأة على شبكات الانترنت فان المفتى العام السابق و مؤسسة آل البيت الملكية يدعون فعلياً لقتل المسيحيين يوم بعد يوم و ستستمر دعوتهم هذه الى ان ترفع هذه الفتاوى من هذا الموقع. [ ارجو ان تنظر التعليق فى مقدمة هذا المقال]

المسيحيون- و كثيرون آخرون- سيعتبرون ان فى هذا تناقضاً اخلاقياً. فكيف يكون لاى شخص ان يدعو المسيحيين لتاييده على حب الجار وحرية الاديان و قى نفس الوقت يدعو لقتل المسيحيين فقط لانهم تركوا الاسلام؟ اذا كان لحرية الاديان معنى، فإن هذا المعنى ينصب فى حق الشخص فى اختيار ما يعتنق من الايمان. هذه قضية جيده و يجب ان ترفع فى الحوار بين الاديان مع موقعى كلمة سواء.

وجدير ايضاً بالاستفسار ان يُسأل، كيف للسلام ان يعم و العنف ما يزال هو الوسيلة لحل الخلافات الدينية؟

على المسيحيين الذين يرغبون فى الحوار مع المسلمين على اساس الدعوة المقدمه لهم من كلمة سواء ان يطالبوا مؤسسة آل البيت ان تسحب فتاوى المرتد من موقعها و ان تقدم اعتذاراًً عاماًً للمسلمين التاركين الإسلام عن ما قامت به من التحريض على كراهيتهم و اقامة العنف ضدهم. هذا من شأنه ان يستقبل بالترحاب لانه يؤكد حسن النيه، ويعلن اظهار الالتزام بالقيم العالميه للمعاملة بالمثل، و حب الجار و حرية الاديان.


و اخيرا، على علماء و قادة المسيحيين الذين وقعوا رسائل ترحيب برسالة كلمة سواء ان ينظروا فى سحب توقيعاتهم.




هوامش




(1) كل الآيات القرآنية المستخدمه هنا مأخوذة من موقع altafsir.com .



(2) فتح البارى شرح صحيح البخارى للعسقلانى.كتاب استتابة المرتدين و المعاندين و قتالهم الجزء 12 حديث رقم 6922


(3) "لا يحل دم امرىءٍ يشهد ان لا اله الا الله و انى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، و الثيب الزانى، و المفارق لدينه ...." (فتح البارى شرح صحيح البخارى للعسقلانى. كتاب الديات الجزء 12 الحديث رقم 6878)


(4) كلمة فيئ مستمدة من الجذر فيأ و المعنى كما جاء فى قاموس لسان العرب "وفاءَ إِلى الأَمْرِ يَفِيءُ وفاءَه فَيْئاً وفُيُوءاً: رَجَع إليه.وأَفاءَهُ غيرُه: رَجَعه." و" وأَصلُ الفَيْءِ: الرُّجُوعُ، سُمِّيَ هذا المالُ فَيْئاً لأَنه رَجَعَ إِلى المسلمين من أَمْوالِ الكُفّار عَفْواً بلا قِتالٍ." يمكن الرجوع لهذه المعانى هنا
(5) فى حكم فى عام 2008 فى احد المحاكم المصريه، وجد لقاضى محمد الحسينى انه من المخالف للقانون ان يترك المسلم اسلامه.و للوصول الى حكمه، استند الحسينى الى المادة الثانية من الدستور المصرى و التى تنص على ان "الشريعة الاسلامية هى المصدرالرئيسى". وحيث ان الإسلام هو اخر الاديان و اكملها، فأن المسلمين يستمتعون بحرية الدين ولا يحق لهم ان يتركوا الاسلام و يعتنقوا من الديانات ما هو اقل من الاسلام كالمسيحية و اليهودية. و باتباع هذا المنطق فان حرية الدين تعنى انه من حق المسيحى ان يتحول الى الإسلام و لكن ليس من حق المسلم ان يتحول الى المسيحية. هذا المنطق غريب على الطريقة التى يفهم بها غالب الميحيين حرية الاديان. يمكن ان تقرأ هذا الحكم بأللغة الانكليزية WorldNetDaily report, February 1, 2008 هنا

الأحد، 20 أبريل 2008

تأمُلات في ’ محبة الله و الجار معاً‘
رد ييل على كلمة سواء بيننا و بينكم

بقلم القس الدكتورمارك ديورى
فبراير 2008

يمكن الاتصال بالكاتب على العنوان الإلكترونى
mjdurie@gmail.com

قام اربعة من العلماء بتقديم رد على الرسالة المبعوثة من 138 من علماء المسلمين، و المعنونة كلمة سواء بيننا و بينكم . جاء الرد المسيحي بعنوان ’حب الله و الجار معاً‘، جاءت هذه الرسالة بتأيد من ما يذيد عن ثلاثة مئة من القادة المسيحيين من جميع انحاء الارض. كاتبوا الرسالة الأصليين هم ميروسلاف فولف و جوزيف كامينج كلاهما من مركز الإيمان والثقافة في جامعة ييل، و قد قام كلٍ من هارولد و. اتريدج من مدرسة اللاهوت بجامعة ييل و املى م. تاونذ و هى ايضا بروفيسور بجامعة ييل بإضافة بعض التلقيحات.

قدمنا تحليلا مفصلاً منفصلاً لرسالة كلمة سواء – راجع مذكرات للمسيحيين فى كلمة سواء- و نرجو احالة القراء الذين يرغبون فى الإطلاع على النقد التحليلى للرسالة التى بعث بها المسلمون لتلك المذكرات. نحن هنا بصدد التعليق بشكلٍ خاص على الرد المقدم من جامعة ييل.

الرد المقدم من ييل اخذ استراتيجية الترحاب الحار برسالة كلمة سواء، و تأييد ما عرضته [الرسالة الاسلامية] ’كأرض مشتركة‘ وايضا حضها على تشجيع القادة المسيحيون و القادة المسلمون على الاستمرار فى اللقاء للحوار على هذه الأُسس.

يبدو لنا ان رد ييل لم يقبل الموقف اللاهوتى المقدم من كلمة سواء بكامله، حيث انه جاء بتقديم بعض الانعكاسات اللاهوتية المسيحية الهامة التى ذهبت ابعد من ما قدمه لنا المسلمون.

  • الكتاب المقدس يُعرِّف الله على انه هو نفسه ’محبة‘ الشيئ الذى يعكس صلاح الله اللا نهائى، وهو يعنى انه لا يمكن فصل حب الله عن حب الله لنا. النظره المسيحية ترى اننا ’َنَحْنُ نُحِبُّ، لأَنَّ اللهَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً‘ (رسالة يوحنا الاولى 4: 19) بعكس ما قدمته لنا كلمة سواء من وجهة النظر الإسلامية فى ان الله يحبنا لاننا نحن نحبه.
  • اكد رد ييل ان حب الجار يتطلب اعتماد حق الآخر فى حرية العبادة. من المهم جداً ان تصل هذه الرسالة للقادة اللمسلمين، حيث ان حرية المسيحيين فى العبادة كثيرا ما تقلص فى سياق الهيمنة الإسلامية.
  • رد ييل جاء مخالفاً لما جائت به رسالة كلمة سواء، لقد حوى رد ييل محبة الجار التى تشمل حب الاعداء. الشيئ الذى لم يكن جزئاً مما قدمته كلمة سواء للمسيحيين.
  • رد ييل شرح محبة الاعداء على انها محاكاة لله. يأتى هذا الشرح مناقضاً للفكر الإسلامى الذى يرفض ان يحاكى الانسان الله، كما و انه فكر يتنافى مع الدعوات المتكررة لكلمة سواء لعدم الشرك بالله.

من المدهش ان هذه الاراء المعاكسة لم تُشرح على انها مناقضة للتعاليم الإسلامية. رد ييل اعطانا الانطباع بأن هذه التعاليم مشتركة و يمكن ان تؤخذ كأرضية مشتركة مع الإسلام.

على الرغم من ان كثير من القادة المسيحيين الموقريين قد قاموا بالتوقيع على رد ييل، الا انه من الممكن للمسيحيين الاستناد على اسباب وجيهة لرفض التوقيع على هذا الرد.

  • يظهر ان علماء الاهوت فى جامعة ييل قد قبلوا الزعم الاسلامى بان المسلمين و المسيحيين يعبدون نفس الاله، على الرغم من ان هذا الادعاء معقد و جدلى، ويستحق ان يكون من القضايا المطروحة للنقاش بين المسلمين و المسيحيين، بدلا عن قبوله ببساطة كاحد شروط الحوار.
  • احتوت كلمة سواء على تقنية ’الطعم و التبديل‘ حيث قُدِم حب الله وحب الجار للمسيحيين كارضية للتعاون، و من ثم جاء التبديل عندما قُدِمت عقيدة التوحيد الإسلامية على انها الأساس الحقيقى للحوار المسيحى الإسلامى. و يظهر لنا ان فى رد ييل تاييد للموقف الإسلامى حيث ذكر لنا الرد ان الرسالة (الاسلامية) ’تحدد بعض من الارضيات الجوهرية المشتركة‘ و تشير ايضا الى ’النظرة العميقة و الشجاعة التى تمكنوا بها ان يحددوا الأرضية المشتركة بين المجتمعات الاسلامية و المسيحية‘. هكذا يظهر لنا ان رد ييل يقبل العرض الواضح جدا المقدم من كلمة سواء لقبول التوحيد الإسلامى بما يحتويه من رفض للشرك كأرضية مشتركة نشاركها معاً. انه من غير المفيد ان يُعطى الانطباع بان المسيحيين يودون تأييد عقيدة التوحيد.
  • وبعد قبول العرض المقدم بعقيدة التوحيد يتحول رد ييل بالرجوع للفهم المسيحى لحب الله. هذه المراوغة المسيحية التى قُدمت كرد على المراوغة الإسلامية مشوشة للتفكير.
  • قام لاهوتيون جامعة ييل بعملية تضليل للقارئ عندما قالوا ’ ان ما يثلج صدورنا ان الله الذى ينبغى ان نحبه فوق جميع الاشياء يوصف بكونه محبة‘. الكثير من القادة الذين وقعوا تأيداً لرد ييل اعتقدوا ان هذا القول هو اشارة للموقف الذى اتخذه المسلمون. فى الوقت الذى لم تؤكد فيه كلمة سواء فى اى موضع ان الله محبة.
  • رد ييل تجنب التعرض للجدل الموجه ضد المسيحيين المرتبط بكثير من الآيات القرآنية المستشهد بها فى كلمة سواء ( أنظر مذكرات للمسيحيين ). بدلا عن هذا كان من المفروض ان يقوم رد ييل بالاعتراف بأن بعض من الآيات القرآنية المستشهد بها فى كلمة سواء هى آيات اشكالية لوئام الاديان.
  • من الخطأ ان يدعو رد ييل محمد ’النبى محمد‘ الا اذا رغب حقاَ لاهوتيون جامعة ييل فى يوصلوا للمسلمين ان هذا هو ايمانهم الحقيقى عن محمد.
  • مما يثير القلق ان رد ييل يظهر وكأنه يؤيد ’الايمان الابراهيمى‘. المصطلح ’دين ابراهيم‘ هو مصطلح قرآنى و معناه العقائدى هو ان ابراهيم و كل الانبياء كانوا حنفاء مسلمون وليس يهوداً او مسيحيين. و بالرغم من استخدام هذا المصطلح فى الكثير من حوار الاديان التى جرت حديثاَ الا ان هذا المصطلح معارض للمسيحية و هو غير ملائم للوئام او التعاون مع المسيحية.

وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ( سورة لبقرة 2 : 135)

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ (سورة آل عمران 3:67)

  • تبنى رد ييل نغمة الامتنان و الاذلال الذاتى. هذا شيئ مثير للقلق فى ضوء تاريخ العلاقات المسيحية الإسلامية. بحسب الفهم الإسلامى الكلاسيكى لدور المسيحيين فى الدولة الإسلامية، الذميين يجب عليهم ان يُظهروا الامتنان [للمسلمين] لانهم ابقوهم على الحياة و لم يقتلوهم، وعليهم ان يظهروا التواضع لان وضعهم يستحق الاحتقار. ما كتبه كثير من فقهاء المسلمين و مفسرى القرآن يشهد على ان هذا هو الشيئ المتوقع [من الميسحيين]. فى ضوء ما تقدم، انه لمن المؤسف ان لاهوتيين ييل قد اظهروا انفسهم على استعداد لاعتماد نغمة الامتنان و الاذلال الذاتى باستعمالهم لمصطلحات مثل ’نلتمس الغفران من الرحيم و من الجاليات الإسلامية فى جميع انحاء الارض‘ و عندما قالوا عن كلمة سواء انها ’فوق العادية‘ و انها مكتوبة ’بكرمٍِ‘ و ’ اننا نستلم رسالتكم الكريمة و كلنا تواضع و امل‘. لم يقدم المسلمون فى رسالتهم اى شيئ من هذا القبيل. بالنسبة لكثير من المسيحيين الذين يعيشون تحت الحكم
    الاسلامى هذا النغم المُساق فى رد ييل سيسمع على انه معاهدة استسلام مع المسلمين وسوف ياخذونها كاشارة للتخليهم عن قضية اضطهاد اخوتهم فى المسيح
  • استشهد علماء ييل بمثَّل اخراج الخشبة من العين (انجيل متى 7: 5). وهذا امر مؤسف لاسباب عديدة.

    • هذا المثل يرسل اشارة للمسلمين بانه مهما كانت مشكلات الاسلام و مهما كانت خطايا المسلمون فانها ليست الا ’قذى‘ بالمقارنة مع جرائم المسيحيين الجماعية.
    • فى هذا الرد خيانة للمسيحيين الذين يعيشون تحت الهيمنة الاسلامية و يعانون، ليس لخطأ ارتكبوه، ولكنهم يعانون آثار احكام الشريعة.
    • انه من غير المفيد وايضا من المثير للشوشرة ان يقدم لاهوتيين امركيين اعتذاراً عن الحملات الصليبية، فى الوقت الحاضر تعتبر هذه الحملات حدثاً فى الماضى القديم، وايضا هى احداث وقعت قبل ان يكون للولايات المتحدة الامريكية وجوداً. الآثارالمنطقية التى ستترتب على هذا المنطق انه سيحمِّل جميع المسيحيين فى جميع انحاء الارض نوع من الذنب الجماعى لقتال المسلمين فى الماضى. تجريم المسيحيين يهذه الصورة يضعهم فى موقف الضعف حيث انهم يعانون من الاتهام بارتكاب ذنب جماعى.
    • من الخطأ ان نتعامل مع ’الحرب على الارهاب‘ على انها حملة مسيحية، و نقدم اعتذارعنها فى هذا السياق. الحكومات التى قامت ’بالحرب على الارهاب‘ لم تدّعى انها قامت بحرب مسيحية، و هى حكومات علمانية وليست مسيحية الطابع.
    • لم تظهر كلمة سواء انها على دراية ولم تقدم اى اعتذارعن جرائم المسلمين الماضية و الحاضرة ضد غير المسلمين. ذهاب المسيحيون لتجريم انفسهم بهذه الطريقة يقوض احتمالات المعاملة بالمثل فى الحوار الجاد.
  • النقاش المطروح قى معاملة محمد فى الطائف يبدو و كأنه قد وضع قسرا،ً و هونقاش غير مقنع.

    • الحديث المستشهد به و الذى يبدأ بالقول ’افضل الفضائل ان تصل من قطعك ....‘ (ليس هناك ذكر للمرجع الذى اخذ منه هذا الحديث: فى حقيقة الامر هو مأخوذ عن الطبرانى) و هو حديث غير مدون فى كتب الاحاديث الستة المعترف بهم من اهل السنة و لا يمكن ان يكون لمثل هذا الحديث اى ثقل
    • حقيقة اصل هذا الحديث قد اضعفت المعنى المقصود من الاستشهاد به. ان اهل الطائف الذين رفضوا محمد و رسالته حقاً، قد ارغموا فى مرحلة لاحقة على اعتناق الإاسلام تحت تهديد سيف اتباع محمد. (انظر مذكرات للمسيحيين) 1
    • العبد النصرانى عدّاس لم يخرجبصفته نصرانياً لاستقبال محمد، و لكن لأنه اُمر من سيده الوثنى ان يفعل ما فعل، انه شيئ مضلل ان يُستشهد بلطف هذا العبد كأشارة للصداقة المسيحية الإسلامية. وثم ان التقليد الاسلامى يعتبر ان عدّاس هو أول الدخلين الى الإسلام من اهل الطائف، فمن الصعب ان يكون عدّاساً مثلاً لوفاق الحوار و التعاون بين الاديان.
  • من المثير للقلق انه فى مواجهة بيانات التوحيد الإسلامى المتكررة و الواضحة فى رسالة كلمة سواء لم يقوم رد ييل بتأكيد ببيان الإيمان المسيحى فى التجسد و الوهية المسيح البنوية بنفس هذا الوضوح.
  • على الرغم من اننا انتقدنا رسالة المسلمين في المسلك الذى اتخذته فى الاستشهادات الانتقائية للآيات القرآنية الشيئ الذى اخفى عن القارئ المسيحى حقيقة الموقف المعادى للثالوث، فاننا نجد ان لاهوتيون ييل قد فعلوا نفس الشيئ عندما استشهدوا برسالة يوحنا الاولى 4: 8 ’الله محبة‘ ومن ثم حذفوا ما جاء بعدها مباشرة من آيات.

وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. وَفِي هَذَا نَرَى الْمَحَبَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لاَ مَحَبَّتَنَا نَحْنُ لِلهِ، بَلْ مَحَبَّتَهُ هُوَ لَنَا. فَبِدَافِعِ مَحَبَّتِهِ، أَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. ... وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا نَشْهَدُ أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الابْنَ ُخَلِّصاً لِلْعَالَمِ، لأَنَّنَا رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا. مَنْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ يَثْبُتُ فِيهِ، وَهُوَ يَثْبُتُ فِي اللهِ.

من الضرورى جداً فى اى رد مقدم من المسيحيين ان لا يقلل من اهمية جوهر الإيمان المسيحى فى ارسالية الابن بما فى ذلك التجسد و الصلب. نعم، الإيمان المسيحى مؤسس على محبة الله ولكن فى شهادتنا للمسلمين يجب ان لانفصل بين مناقشة الحب و ايماننا بالثالوث.

مكن لحوار الاديان ان يكون ذو قيمة. و لكن يجب ان يؤسس على الإعتراف الصادق بالطرف الآخر. و ان يكون هناك استعداداً للاستماع بانتباه، وانفتاح و صدق فيما يعتقده المرئ، الشيئ الذى يمكن ان يقدم الارضية المشتركة الحقيقية للحوار الفعال. ليس من الحكمة وبل انه من قبيل التضليل ان يقوم علماء ييل بحماس بتأييد محاولات علماء المسلمون باسلمة الحوار المسيحى الاسلامى من احدى النواحى، ثم يحاولون ان يغلب الطابع المسيحى على الحوار من الناحية الاخرى ، وذلك باقتراحهم ان ان تكون مميزات المسيحية- مثل محبة الله للبشرية جمعاء- هى الارضية المشتركة بين ايمانينا.

نحن نناشد المسيحيين الذين يرغبون فى ايجاد علاقات ايجابية بين المسيحيين و المسلمين ان يتمعنوا فى التفكير ويتخذوا الحذر، و ان يبزلوا قدراً من الجهد فى فهم طبيعة هذا الحوار. تسببت ضعفات رد ييل الكثيرة فى المخاطرة بتقسيم المسيحيين و اثارة البلبلة. و بالوصول الى مثل هذا فان رد ييل لم يصنع خيراً لوئام حوار الاديان، و قد جعل من كلمة سواء مصدراًً للانقسامات و عدم الوئام بين المسيحيين.

هوامش

(1) السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى، الجزء الرابع، صفحة رقم ،132 الطبعة الثالثة 2000م. نشر دار احياء التراث العربى.

الخميس، 17 أبريل 2008

مذكرات لمساعدة المسيحين

مذكرات لمساعدة المسيحين على فهم
"كلمة سواء بيننا و بينكم"


بقلم القس الدكتور مارك ديورى
يناير 2008

اُعدت هذه المذكرات فى الرسالة المسماة "كلمة سواء بيننا وبينكم" لمساعدة المسيحيين على فهم هذه الرسالة الهامة التى وجههاالمسلمون إلى المسيحيين. هذه المزكرات ليست مقدمه كرد على المسلمين و لكنها مرجع للمسيحيين.

يمكن الاتصال بالكاتب على هذا العنوان الالكترونى
mjdurie@gmail.com
مُلخص هذه الرسالة

’كلمة سواء بيننا و بينكم‘ هى رسالة وجهها 138 عالم إسلامى إلى المسيحيين. هذه الرسالة تدعو المسيحيون للتلاقى مع المسلمين فى ’ارضية مشتركة‘ معينة، تؤخذ فيما بعد كأساس لحوار الاديان، و التفاهم المتبادل، من اجل إحلال السلام فى العالم.
فيما يلى النقاط الرئيسية التى احتوتها هذه الرسالة
  • افترضت هذه الرسالة مسبقاً ان المسيحيين و المسلمين يعبدون نفس الإله.
  • هذه الرسالة تبدو و كأنها ممارسة لنشر الدعوة، المفهوم الاسلامى للاهتداء.
  • تستخدم هذه الرسالة تقنية "الطعم والتبديل" حيث قدمت الدعوة إلى المسيحيين للإتفاق مع المسلمين على حب الله و حب الجار، و لكننا نجد ان هذا المفهوم قد تغير فى نهاية الرسالة ليصبح دعوة للتلاقى فى التوحيد الذى هو المفهوم الاسلامى لتوحيد الله. فى حقيقة الامر لقد طُلب من المسيحيين ان يقبلوا المفهوم الاسلامى بعدم الشرك بالله كأساس لحوار الاديان و العلاقات السلمية.
  • مع ان المفهوم الاسلامى لعدم الشرك بالله ينكر تماماً مفهوم التجسد المسيحى، و هومفهوم يتنافى مع الكثير من مفاهيم الايمان المسيحى الاخرى.
  • تبدو هذه الرسالة و كأنها محاولة لأسلمة الحوار المسيحى الإسلامى. الشروع فى الحوار الجاد لايمكن الا ان يقوم على احترام فردية الآخر.
  • تعمدت هذه الرسالة تضليل القارئ عندما قدمت يسوع المُسلم (عيسى) كبرهان لحسن النية الإسلامية من ناحية المسيحيين.
  • تجاهلت هذه الرسالة النداءات القرآنيه التى تدعو الى قتال المسيحيين كما وتجاهلت ايضاً واقع انتهاكات حقوق الانسان ضد المسيحيين فى الكثير من البلدان الإسلامية.
  • النقاش المطروح فى "حب الجار" نقاش ضعيف بشكل خاص لأن المتعارف عليه فى الإسلام هو ان النداء بفعل الخير للجار ينطبق على الجار المسلم فقط.
  • الرسلة لا تشير الى محبة الله للبشرية جمعاء.
  • إستشهدت الرسالة بآيات حاسمة دون الإعتراف بالتفاسير الإسلامية التقليدية لتلك الآيات فى معاداة المسيحيين. على سبيل المثال:
    • آية الموضوع لرسالة "كلمة سواء" (آل عمران 3: 64) هى آية مرتبطه بأعلان الحرب
      ضد الروم وهى جزء لا يتجزأ من الجدل القرآنى فى معاداة المسيحيين.
    • قُدمت سورة الفاتحة على انها اعظم سورة فى القرآن بينما تشجب هذه السورة المسيحيون حيث نعتتهم بأنهم "الضاليين"
    • الآيات التى استشهد بها على انها تتحدث بالمعروف عن المسيحيين ( آل عمران 3: 113-115 ) فى مفهومها التقليدى تشير الى المتحولين منهم الى الإسلام.
    • قد ذُُكرت بعض الأجزاء من سورة الاخلاص 112 الهامة – السماع الاسلامي- وحُذفت الآيات التى تشجب الإيمان بألثالوث.
  • التحذيرات من وقوع صراع فى حالة عدم قبول الدعوة، يمكن ان يُُقرأ كتهديد. هذا امرٌ مؤسف ، يجب على المسيحيين أن يكونوا حذرين فى قبول هذه الافتراضات المسبّقه من وراء تلك التحذيرات.


مقدمة
كلمة سواء بيننا و بينكم هى رسالة مفتوحة، وقع عليها 138 من قيادات المسلمين، اُعدت تحت رعاية مؤسسة آل البيت الملكيه للفكر الاسلامى الاردنيه بتاريخ 13 اكتوبر 2007 ووجِهت هذه الرساله الى البابا [بابا الفاتيكان] و القيادات المسيحية فى جميع انحاء الارض. ماذا يفعل المسيحون بهذه الرسالة؟ و كيف يردون عليها؟


الظاهر ان كلمة سواء تسعى لبناء جسر، ليتقارب من خلاله المسيحيين و المسلمين إلى بعضهم البعض، و لذلك فأنه من الضروره بمكان ان ينظر المسيحيين بعناية، و ان يتمعنوا فى طبيعة هذا الجسر، و النتائج المترتبة على السيرفوقه.

من احدى النواحى، هذه الرسالة تقدم الدعوة الى المسيحيين للتكاتف مع المسلمين لاقامة اساسات سليمة ليقف عليها وئام الحوار. بحسب ما جاء فى هذه الرسالة ذاتها، انها محاولة لاستبعاد الكوارث المحتملة الوشيكة، على نطاق واسع، و الصراع العالمى بين المسيحيون و المسلمون وكما جاء فى (ص16 ) ’ربما كان بقاء العالم نفسه فى خطر‘. جاءت الرساله باقتراح لتجنب هذا التهديد، ووضع حد للنزاعات، عن طريق التلاقى وتأميين أرضية لاهوتيه مشتركه يتفق عليها كلٍ من المسيحيين و المسلمين، الشيء الذى يمكن ان يُقدم كأساس للاتصال و التعاون.

ولكن من الناحيه الاخرى، هذه الارضيه المشتركه التى تدعواليها كلمة سواء المسيحيين ليتفقوا معهم عليها، انما تحتوى على العقيدة الإسلامية و بالأخص عقيدة التوحيد، و هى المفهوم الاسلامى فى توحيد الله. ان رسالة التوحيد هى واحدة من المبدأين الاساسيين فى الإسلام، المبدأ الثانى هو الاقرار بنبوة محمد.


1. فى تفنيد موضوع الرسالة


1.1 الدعوة: دعوة لإعتناق الإسلام


فى لب هذه الرسالة دعوة أو نداء الى المسيحيين لأن يتفقوا مع المسلمين على تعاليم إسلاميه معينه.
تبدأ الرسالة ذاتها (ص3) بأستشهاد من القرآن:

ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ (سورة النحل 16: 125)

و بألمثل ايضاً ختام مقدمة الرسالة الذى نص على هذه الكلمات:

’...استجابة لما جاء فى القرآن الكريم، فإننا كمسلمين ندعو المسيحيين الى التلاقى معنا...‘

للبداءات اهمية خاصه فى ألبلاغة الاسلاميه، الشيئ الذى يلقى الضوء على حقيقة مفهوم الدعوة المذكورة فى بادىء الرسالة، كمدخل لفهم الرسالة بكاملها.

فما هى دلالة كلمة ’الدعوة‘ فى الاسلام؟ الكلمة العربيه دعوة تُتَرجم إلى الانكليزيه دعوة، نداء، أوإستدعاء و كلها تُشير الى مهمة نشر الإسلام فى العالم. الدعوة هو اللفظ اللغوى الإسلامى للاهتداء. سورة النحل 16 :125 المشار اليها فى مقدمة هذه الرسالة لها شُهرة دليل النص على نشرالدعوة، ولهذا فهذه الآية هى الإطارالمحدِد لمعنى ما يأتى بعده. بدء الرسالة بهذه الطريقة هو اعلان واضح لأن هذه الرسالة هى ممارسة لنشر الدعوة. هذا الافتتاح الرسمي لهذه الرسالة يعلن ان كلمة سواء ما هى الا نداء (دعوة) للمسيحيين للقدوم االى سبيل الله، اى إلى الإسلام.

علق على هذه الآيه المُفسر القرأنى المرموق إبن كثير(انظرaltafsir.com ) فقال ’ ... من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب‘ وليجعل ابن كثيرتفسيره اكثروضوحاً فى معنى الآية المذكورة فى سورة النحل 16: 125 ذهب للاستشهاد بسورة طه 20 :44 ’فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (الله).1 ولهاذا فالمفهوم العام لسورة النحل 16: 125 الآية المستخدمة كإطار للرسالة ككل هو ان الدعوة لغير المسلمين تُقدم بالوجه الحسن و الترحاب ليأتوا إلى الإسلام.

الدعوة لها مفهوماً واسعاً، فالدعوة إلى الإسلام يمكن أن تتم بطرق مختلفة. إحدى هذه الطرق تتم من خلال الحوار السلمى، و بالتاكيد كلمات سورة النحل 16: 125 تشجع المسلمون على مناداة الاخرين بإستخدام المهارة و الحكمة والحجه المقبولة. و فى نفس الوقت فإن للإسلام سوابق قوية في مساندة الدعوة بالتهديد. وحتى سورة النحل 16: 125 نفسها كانت فى الاصل جزئاً من رسالة ارسلت الى هرقل امبراطور الروم وكانت لهذه الرسالة فعالية اعلان الحرب. فى هذه الرسالة اعلن محمد على الروم ’أسلم تسلم‘.


1 .2 الطُعم و التبديل: التوحيد ثمناً للحب

هذه الوثيقه مبنية رسمياً حول موضوعين، هم حب الله و حب الجار.

و قد ثبت ان هذا النهج بدا جذاباً لبعض من المسيحيين، وهذا لأن رسالة الانجيل المركزيه هى اعلان محبة الله للجنس البشرى، التى ظهرت فى محبة المسيح. الكتاب المقدس يدعو الناس للتعبير عن الحب بعضهم لبعض كدليل للرد على محبة الله، التى هى ’الوصية الجديدة‘ التى جائت فى يوحنا 13: 34

’...لأن الله محبة و قد اظهر الله محبته إذ أرسل ابنه الاوحد إلى العالم لكى نحيا به و فى هذا نرى المحبه الحقيقية لا محبتنا نحن لله بل محبته هو لنا فبدافع محبته ارسل ابنه كفارة لخطايانا و مدام الله احبنا هذه المحبة العظيمة ، ايها الاحباء فعلينا نحن ايضاً ان نحب بعضنا بعضاً.‘ (1 يوحنا 4: 8-11 )

الانجيل يعلم الحب لجميع الناس، و ليس فقط للمسيحيين منهم. المسيح نفسه علّم انه كما احب الله كل البشر، هكذا ايضاً يجب ان يحب ابناءه كل البشر بما فى ذلك اعداءهم. (انجيل متى 5: 43-45 ، وايضاً الرسلة الى اهل روميه 12: 14-21 )

لقد استخدمت كلمة سواء شعار الحب كموضوع جذاب، لدعوة المسيحيين للتلاقى مع المسلمين فى كلمة سواء. ولكن هذه الرسالة تتغير بعد ذلك، إذ يتضح ان حقيقة الأرضية المشتركه المعروضه هى التوحيد بالله: "أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ" (آل عمران، 3: 64 ، ص 13-14 من رسالة كلمة سواء ). هذه الدعوة للتلاقى عند توحيد الله – الذى هوالمفهوم الاسلامى للتوحيد- هى دافع المحور اللاهوتى للرسالة. وكما قال مُحقاً المطران الانجليكانى نذير على:

’هذه الرسالة تهتم بصفة خاصة و بشدة بفهم معين عن وحدانية الله. المسيحيون ... مدعوون للحوار على اساس هذا الفهم، وعليهم ان يتركوا جانباً اخطاءهم فى ’اتخاذ أرباباً من دون الله‘.2

هذه هى استراتيجية ’الطعم و التبديل‘ الطعم المقدم هو حب الله والجار ولكن التبديل يحدث فى توحيد الله الاسلامى.

دعونا نتمعن فى الكيفية التى تحاول بها هذه الرسالة التوصل الى تحقيق هذه الاستراتيجية.


1. 3 حب الله

أول الاقسام الرئيسية فى هذه الرسالة يأتى بعنوان ’حب الله‘. هذا القسم يعمل على تبريرالتبديل بالقول بأنه فى الواقع حب الله هونفس الشيئ مثل قبول التوحيد الاسلامى لله.

تفرع من هذا القسم فرعين احدهما يتحدث عن الإسلام و الاخرعن المسيحية. شرحت الرسالة الحب بأنه الإخلاص، وأوضحت معنى الإخلاص لله عندما اشارت الى القرآن و الحديث (سيرة حياة محمد و تعاليمه)، كما و اشارت ايضاً للكتاب المقدس. و من ثم تطورت الحجة لتأخذ شكل نقاش فى حديث مشهور حول وحدة الله (اى التوحيد)

’وخير ما قلت - أنا والنبيّون من قبلي – لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلْك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‘ (ص3) 3

شرح هذا الحديث استغرق غالب القسم الرئيسي المكتوب فى ’حب الله فى الإسلام‘. وجوهر الحجة هو ان حب الله يعنى الإخلاص له، والإخلاص له يعنى الطاعة لمفهوم العقيدة الاسلامية فى توحيد الله. بمعنى آخر، هذه الرسالة تعادل حب الله بالاعتراف بتوحيده بحسب الفهم الاسلامى للتوحيد.


فهذا القسم المفترض انه كُتب فى حب الله هو فى حقيقة الامر تقديم لعقيدة التوحيد و تطبيقها فى حياة المؤمن. فحب الله يُعتَبربمثابة نتيجة حتمية لإعتناق عقيدة التوحيد.

و بالكلمات التالية خُتمت الفقرة الفرعية فى حب الله فى الاسلام:

وبعبارة أخرى، فإن صيغة الذكر المباركة، "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له المُلْك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، لا تستلزم وتتضمن فقط أنّ المسلمين يجب عليهم أن يكونوا مخلصين تماماً لله، وأن يحبّوه بمجامع قلوبهم ونفوسهم وبكل ما
فيها، بل تتيح لهم طريقةً، كما بدايتها (شهادة الإيمان) – من خلال تكرارها – لتحقيق هذا الحب بكل مكونات إنسانيتهم. (ص7)

وختاماً لهذا القسم فى ’حب الله‘ توجد إشارة للحديث المُبيِِِّن لعقيدة التوحيد و فيه ’التشابه الفعال بينهما في المعنى‘ (ص9) مع دعوة الكتاب المقدس لحب الله بكل القلب والنفس (تثنية 6: 4-5 ،انجيل متى 22: 34-40 ). إذاً، إذا قبل المسيحيون ان عليهم ان يحبوا الله فعليهم ايضاً أن يتفقوا مع المسلمين على صيغة التوحيد الاسلامية. التحدى الموجود امامنا هو ان هذه الصيغة تتنافى مع الايمان بألثالوث.


1. 4 حب الجار

القسم الثانى من هذه الرساله جاء بعنوان ’حب الجار‘. فكرة حب الجار لها اهمية هائلة فى العلاقات المسيحية- الاسلامية. و بالرغم من اهمية هذا الموضوع إلا انه لم يحظى بألاهتمام، فبينما استغرق شرح ’حب الله‘ سبع صفحات من رسالة كلمة سواء. نجد أن"حب الجار" فى المقابل لا يكاد يستغرق صفحة واحدة.

و مرة اخرى ينظر كاتبوا الرسالة لتعاليم محمد المطروحة فى شكل الحديثين المتشابهين:

"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه، أو قال: لجاره ما يحّب لنفسه" (ص11) 4

قد شُرح معنى هذين الحديثين بإختصار مع الاشارة لآيتين من القرآن (البقرة 2: 177 و آل عمران 3: 92 ) وهناك ايضاً استشهاداً من الكتاب المقدس ( مرقص 12: 31 ، لاويين 19 : 17-18)

جوهر العرض المقدم للمسيحيين هنا هو ان الإيمان المُخلِص بالله يتطلب الكرم والتضحية بالنفس فى معاملات المرء مع الاخرين.


1. 5 ’كلمةٌ سواءٌ‘

القسم الثالث من الرسالة جاء بعنوان ’تعالوا الى كلمةٍ سواءٍ بيننا و بينكم‘. وهذا القسم قدم تلخيصاً للدعوة لتأييد ارضية لاهوتيه مشتركة.

هذا القسم ينصّب بوضوح على طبيعة الدعوة، فوحدانية الله الان تحتل مركز الصدارة فى الانتباه. و يقال ان الوصيتان ناشئتان من عقيدة توحيد الله:

فالمقصود بكل ما تقدم عن هاتين الوصيتين فى التوراة و فى العهد الجديد و السبب الاصلى لظهورهما هو وحدانية الله،اى انه لا يوجد الا اله واحد. (ص13)

فما تقوله رسالة كلمة سواء هو انه لكى تؤمن فى حب الله و حب الجار عليك ايضاً ان تقبل التوحيد و من ثم تقترح علينا الرسالة الاتى:

وعلى ذلك تشكّل وحدانية الله، وحبّه، وحبّ الجار، أرضية مشتركة يتأسس عليها الإسلام والمسيحية (واليهودية). (ص13)

إذاً فإن "الأرضيه المشتركة" ليست فقط حب الله و حب الجار، ولكنها التوحيد نفسه، العقيدة الإسلامية المركزية فى توحيد الله. فضلاً عن ذلك، و كما اوضحت الرسالة من قبل، أن التوحيد هوالعقيدة الاساسية التى تأسس عليها مبدأ الحب فكلمة السواء الاساسية التى دُعىّ اليها المسيحيون، فى حقيقة الامر، هى التوحيد الاسلامى واما حب الله والجار فهما من النتائج الحتمية لهذا الموقف الرئيسى.


1. 6 العلاقات الاسلامية-المسيحية

بعد اصدارالكلمة الختامية للمسيحيين لأن يأتوا الى "أرضية مشتركة" جائتنا الرسالة الإسلامية بسلسلة من الملاحظات التى يجب ان تتبع هذه العلاقات بين المسيحيين والمسلمين.

المسلمون ليسوا بالضرورة ضد المسيحيون

بسبب هذه الارضية المشتركة فإن الاسلام و المسلمون ليسوا ضد المسيحيين ’ما داموا لا يشنّون الحرب ضد المسلمين بسبب دينهم، أو يضطهدونهم ويخرجونهم من ديارهم‘ (وفقاً لسورة الممتحنه 60: 8 )

المسيحيون لا يجب ان يكونوا ضد المسلمين

تتسائل الرسالة ’وهل الديانة المسيحية بالضرورة ضد المسلمين؟‘ لا، لأن المسلمين يؤمنون بعيسى (يسوع الاسلامى) باعتباره المسيح (وفقاً لسورة النساء 4 :171). ولهذا يجب ان لا يعتبرالمسيحيين ان المسلمين ضدهم، و ذلك وفقاً لما جاء فى فى انجيل مرقص 9: 40 وانجيل لوقا 9 :50- "فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ ضِدَّنَا فَهُوَ مَعَنَا"- المسيحيون يجب ان يعتبروا أن المسلمين معهم.

يتضمن هذا القسم ايضاً التهديد باحتمال حدوث كارثة اذا لم يأتى المسيحيين و المسلمين معاً الى حوار مشترك.


1. 7 خُلاصة الرسالة

فى الختام، ترجع الرسالة بقرائها الى جوهر ما أُرسلت اليه، و تدعو المسيحيون الى تقبل ’الأساسيات المشتركة لدينَينا‘. تمت عملية التبديل. تم الاستغناء عن الاشارة لحب الله و وحب الجار. و انصب التركيز تماماً على عقيدة التوحيد، المقترح ان تكون هى الارضية المشتركة فى ’جميع اجتماعات الحوار بين الأديان‘ بين المسيحيين و المسلمين.

وفي الختام، فإننا كمسلمين، نطلب من المسيحيين، استجابة للقرآن الكريم، أن يلتقوا معنا، على الأساسيات المشتركة لدينَينا... {... أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ...} (آل عمران، 3: 64). ولتكن هذه الأرضية المشتركة هي أساس جميع اجتماعات الحوار بين الأديان في المستقبل فيما بيننا ... (ص15)

وبالطبع بالنسية للمسيحيين، فان التأمل فى تعاليم الكتاب المقدس كمحبة الله ومحبة الجار لا يؤدى بالضرورة للتوصل الى التوحيد الإسلامى، و حقيقة سورة آل عمران 3: 64 التى هى صفوة التوحيد الاسلامى. لا يمكن أن يُفترض مسبقاً ان التوحيد هو نقطة الانطلاق الوحيدة للبدء فى الحوار المسيحى الاسلامى.

و تذيلاً لهذه الرسالة، اُضيفت فقرة فرعية سُميت ’بيننا وبينكم‘، هى بمثابة طلب للإنسجام بين المسحيين و المسلمين من اجل العالم كله.

ولنتنافس فقط فيما بيننا في ميادين الفضيلة والخَيْرات. وليحترم بعضنا بعضا ، ولنكن منصفين، وعادلين، و ودودين، بعضنا تجاه البعض الآخر، ولنعش في ظلال سلام مخلص، وبانسجام ونيّة طيبة متبادلة. (ص16)

الاقتراح المقدم هنا، هو انه اذا اتفق الإيمانين على اللاهوتيات المشتركة بينهما، فإنهما سيأتيان بأعظم مساهمة ممكنة للسلام العالمى.


2. القضايا الحرجة

هناك عدد من القضايا الحرجة التى يجب على المسيحيين ان يدركوها عند تقييمهم وردهم على هذه الدعوة، التى تبدو فى ظاهرها بمظهر الكرم والمحافظة على فردية الاخر، ولكن ذلك يحدث فقط على حساب التغاضى عن وجود بعض ’الافيال فى داخل الغرفة‘. فما قد اُغفل ذكره فى هذه الرسالة،على الأقل، يمكن ان يقال، انه فى نفس اهمية ما ذُكر.


2. 1 اي اله واحد؟

يتفق كلٍ من المسيحيين و المسلميين على انه يوجد اله واحد. تفترض الرسالة الإسلامية مسبقاً انه هو نفس الاله، تفترض ان الله القرآن هو نفسه يهوه الكتاب المقدس. هذا هو حجر الزاوية المقدم من ’كلمة سواء‘ الى المسيحيين كأساس للحوار و بوجه عام هذا هو العمود الفقرى للدعوة الاسلامية للمسيحيين. اذا قبلنا ’كلمة سواء‘ بالطريقة التى قُدِّمت بها فنحن حتماً نعنى اننا قبلنا ان كلانا نعبد نفس الاله.

بالطبع هناك مشكلات عميقة فى قبول هذا الافتراض المسبق. الاله الواحد الذى يعبده المسيحيون هو مثلث فهو الآب و الإبن و الروح القدس و لن تجد مسلماً واحداً ليعترف بأن هذا هو الههم. اذاً فهوية الله يجب ان تبقى مطروحة للنقاش.


2.2 التوحيد من الباب الخلفى

كما رأينا، الرسالة تطرح بوضوح التوحيد على انه الارض المشتركة بين المسلمين و المسيحيين، ولكنها تطرحه للمسيحيين فى غلاف منسوج من حب الله و حب الجارالمعروف انهما من جوهر المبادئ المسيحية. و تبدو النية بأن هذا (الغطاء) سيجعل من السهل على المسيحيين ان يقولوا ’نعم‘ للتوحيد.


هذه محاولة لأسلمة الحوار المسيحى –المسلم، فى الوقت الذى يُعطى فيه الانطباع بأن الحواراخذ الطابع المسيحي. هذه المراوغة ليست مفيدة، بل و يمكن ان تتسبب فى خلط للامور. لا يمكن الشروع فى الحوارالا بالمحافظه على فردية الآخر، و ليس عن طريق تسليط الضوء على العقيدة الشخصية و عرضها على انها ’أرض مشتركة‘ و يُشترط على الطرفين ان يتفقوا عليها. يستحيل تطبيق الإحترام المتبادل للإستماع إذا كان الحوار نفسه قد اخذ الطابع الإسلامى.

2. 3 الإسلام بإعتباره اصلاً للمسيحية و اليهودية

لكى نفهم موقف الإسلام كاملاً من وضع المسيحية (و اليهودية)، من المهم ان يكون من الواضح جداً انه وفقاً للإسلام، إن محمد لم يأتى بأى رسالة جديدة (الاحقاف 46 :9). كاتبوا كلمة سواء يستشهدون بعناء بهذه الآية، و يُشيرون إلى انه بحسب هذا التعليم، رسالة محمد يجب ان تكون هى نفسها رسالة الكتاب المقدس. اذاً فمن وجهة النظر الإسلامية رسالة التوحيد المحمدية تعتبر شرعاً هى الأساس لرسالتى يسوع المسيح و موسى. فدعوة المسيحيون (و اليهود) لقبول التوحيد الاسلامى هى فى حقيقة الامر دعوة لهم للرجوع لديانتهم الاصلية و للايمان برسلهم.

هذا هو الموقف الإسلامى المتشدد من المسيحية و اليهودية، انهم مأخذوين عن إسلام المسيح و موسى. بحسب القرآن فإنه واجب كل مسلم ان يدعو المسيحيين و اليهود للرجوع الى ايمانهم الاصلى وعليه فإن ’الارضية المشتركة‘ بين الاسلام و المسيحية هى الإسلام نفسه.

هذا الطراظ الإيمانى يفسر لنا استراتيجية هذه الرسالة فى الدعوة المقدمة إلى المسيحيين لأن يؤيدوا ’الأرضية المشتركة‘ التى يتقاسمونها مع الإسلام، و التى يمكن اعتبارها استراتيجية لنشرالدعوة، التى هى دعوة للمسيحيين لتأييد الإسلام. النتيجة النهائية المقصودة لهذا التأيد هى أن يعترف المسيحيون بأن محمد نبىّ من عند الله وان يعتنقوا ديانته.


2. 4 يسوع الإسلامى (عيسى) لا يمكن أن يكون أساساً للوحدة

تجاهلت هذه الرسالة النص على اية تعاليم مسيحية عن شخص المسيح، على اساس انه ’لم يتفق المسيحيون أنفسهم جميعاً أبداً على طبيعة عيسى المسيح‘ (ص15) و النتيجة المرجوه هى ان المسيحيين لا يجب ان ينظروا الى انكار التجسد و بنوية المسيح على انهما رفض للمسيحية. بل المقترح هو أنه حيث ان المسلمين يؤومنون ان عيسى (يسوع الاسلامى) هو المسيح، فلا يجب ان يُعتَبروا ضد المسيحيين. و بعد، الرسالة تجاهلت الدور الذى يُفترض ان يسوع المسلم سيلعبه فى الآخرة ضد الكنيسة المسيحية، و تدميره ’للصليب‘ و شهادتة فى اليوم الاخير ضد المسيحيين الذين يؤمنون بالصلب. (سورة النساء 4: 155-159)


ينص القرآن بوضوح على ان عقيدة التجسد بها عدم إيمان و فشل محتوم وان قدرًا رهيباً ينتظر من يؤمنون بها.

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (سورة التوبة 9 :30)

قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (سورة يونس 10 :68-70)

يسوع الإسلامى يجيئ فى القرآن بإعتباره داعية للتوحيد الإسلامى وهو يعلن نيران الجحيم مصيراً لكل المشركين بالله:

لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍأَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة المائدة 5 :72-73)


2. 5 الجهاد ضد المسيحيين فى القرآن

الرسالة تتعمد تجاهل الدعوة المقدمة من القرآن إلى المسلمين لقتال المسيحيين و اليهود (المدعوون ’اهل الكتاب‘) الى ان يستسلموا و يذلوا بحكم الإسلام:

قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (سورة التوبة 9: 29)

هذه الآيه غير المنسوخة بل والتى اُعتبرت ناسخة لآيات اُخرى كثيرة، استُعملت عبر الاجيال لتبرير ما لا يوصف من بؤسٍ، و قد امدت هذه الآية الأساس القرآنى لنظام النزعة الذمية التى وضعت المسيحيين و البعض من غير المسلمين فى المرتبة الثانية بعد نجاح الغزوات الإسلامية. و من المتوقع ان النظرة العالمية لهذه الآية لاتزال تستخدم لدعم انتهاكات حقوق الانسان ضد المسيحيون الذين يعيشون فى مجتمعات إسلامية. فى ضوء هذه الآية و تاريخ تطبيقها نجد انها تعطى انطباعاً خاطئاً بألابتهاج بدعوة المسيحيين لكى يعتبروا ان المسلمين ’ليسو ضدهم‘ ولكنهم ’مع‘ المسيحيين لمجرد ان المسلمين يحترمون يسوع الاسلامى.


2 .5 النص الفرعى : الاعتراضات القرآنية على المسيحية

استراتيجية الرسالة المعلنة ترتكز على ما يمكن ان يكون ’أرضية مشتركة‘ بين الإسلام و المسيحيه. لوضع هذه الأرضية المشتركة، لم يذهب كاتبوا الرسالة لتقديم اعترافاً واضحاً و مقدماً بأن الإسلام له اعتراضات عميقة على الايمان المسيحى.

المشكلة فى قلب هذه الاستراتيجية الملتوية هى ان القرآن يرفض عقيدة التثليث و بالتحديد عقيدة التجسد، الشيئ الذى لم يشار له بعبارات واضحة على أنه شِرك ولا يمكن ان يتفق كلياً مع عقيدة التوحيد. القرآن يتهم المسيحيون مرة تلو الاخرى بأنهم يتخذون أرباباً من دون الله ، ولهذا فأن اقصى عقوبات الجحيم معلنة ضدهم. و رغم ان كلمة سواء لم تعلن صراحةًً عن هذه الاتهامات ضد المسيحيون الا ان الرسالة كلها متبّلة بأقتباسات من القرآن ترفض الشرك بصفة عامة.

يصعب الرد على هذه الرسالة. الرسالة تدعوالمسيحيون أن يتخذوا التوحيد كأرضية مشتركة لهم مع المسلمين. وهذا واضح جداً من الطريقة التى بُنيت بها الرسالة بجملتها حول الآية الرئيسية ’لكلمة سواء‘ ( سورة آل عمران 3 :64) التى اشتملت على البيان ’و لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله‘. عموماً ألفهم الاسلامى المتشدد الذى يؤكد بأن الله لاشريك له هو فى نفسه انكار لعقيدة التثليث. فمن احدى النواحي هذه الرسالة تقدم التوحيد على انه ’أرض مشتركة‘ و كأساس ’لجميع اجتماعات الحوار بين الأديان في المستقبل فيما بيننا‘ وان يكون مدخلاً للسلام العالمى. و من الناحية الاخرى من وجهة النظر الإسلامية التأكيد بهذه الأرضية المشتركة يُعنى الإنكار لإيمان الثالوث.

المسلمون الموقعون على هذه الرسالة ليسوا اغبياءاً، فهم يُدركون تماماً ان عقيدة التجسد تتنافى مع ’ألارضية المشتركة‘ التى يعرضونها على المسيحيين كأساس للحوار بين الاديان. و لهاذا فأنه من المفيد ان ننظر الى هذه الرسالة ليس فقط كدعوة للحوار، و لكن كدعوة للإسلام نفسه كما هى فى نشرالدعوة.

يجب على اى رد مسيحي ان يكون مدركاً لهذا التوتر و أن يتلافى قبول ’ألارضية المشتركة‘ للتوحيد الإسلامى الغيرمؤهل. من المهم ان يوضِّح المسيحيين انهم مع انهم يؤمنون بوحدانية الله الا ان فهمهم لهذه الوحدانية يختلف عن الفهم الإسلامى للتوحيد.


2 . 6 حب الجار

يمكن لنا ان نسأل العديد من الاسئلة فى النقاش المطروح من كلمة سواء فى حب الجار (أو الاخ).

ليس هناك نصاً قرآنياً

المراجع الإسلامية المعروضة فى ’حب الجار‘ ضعيفة. الاصل الرئيسى المعروض هو حديث و ليس نصاً قرآنياً. الظاهر لنا هو ان علماء المسلمين قد عجزوا عن أن يقدموا دعوة واضحة من ألقرآن لحب الجار.

ليس هو نفس الشيئ المسمى حباً

الآياتان القرآنيتان المعروضاتان لتأيّد هذه الاحاديث فى حقيقة الامر يأخُذانا فى اتجاه آخر. الآية الاولى (سورة البقرة 2 :177) تحض على العدالة، و الآية الاخرى (سورة أل عمران 3 : 92) تأمر المسلمون بإنفاق ما يملكون حتى ينالوا البر. تلك هى المحاولة لوضع أرضية لمبدأ حب الآخرين فى القرآن و لكنها محاولة لم ترتفى للوصول الى هدفها.

من هو الجار: من الحديث؟

الفهم الإسلامى التقليدى للاحاديث المستشهد بها فى كلمة سواء يقتصر على الجار و الاخ المسلم. يتضح ذلك، على سبيل المثال، فى مجموعه الاحاديث بحسب صحيح البخارى وصحيح مسلم. فى الترجمة الانكليزية للبخارى اضاف المترجم كلمة ’(مسلم)‘ ليوضح بها ان الحب المقصود هو الحب للأخ المسلم.

قال النبى ’لايؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه (المسلم) ما يحب لنفسه.‘ 5


و بألمثل تنص الترجمة الانكليزية لصحيح مسلم على الحديث المعادل لهذا الحديث فى باب : الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير. 6

و قد علق المترجم فى حاشية الصفحة ، ان المؤمن الحقيقى له احساس قوى برفيقه، و ينغرس فيه حباً لأخيه فى الإسلام. 7

إذا كان فى التقليد الإسلامي ’الأخ‘ أو ’الجار‘ الصالح هو المسلم منهم فهذا التعليم لا يرتقى الى تعاليم رسالة المسيح.

من هو الجار: اجابة يسوع

من المذهل ان تحتوى كلمة سواء على آيات من انجيل متى و من انجيل مرقص للاستدلال على ’حب الجار‘ ولكنها لم تحتوى على اى ذكر للآيات الحاسمة فى انجيل لوقا (انجيل لوقا 10 : 27-37) عندما قدم يسوع مثل السامرى الصالح ليشرح به هذا القول. الشيئ الذى قصد يسوع توضيحه، هو انه رغم ان بين اليهود و السامريين عداء شديد، الا ان السامرى فى هذه الرواية هو الجار. هذا التوضيح الحاسم لأن عدو المرء هوايضاً جاره (كما هو مكتوب فى الموعظة على الجبل فى انجيل لوقا 6: 27-28) هو فى غاية الاهمية للعلاقات المسيحية-الاسلامية. صمت الرسالة عن هذه النقطه فاضح اذ انها لا ترتقى لفهم جامع لما تعنيه كلمة ’الجار‘.

فى الحين الذى يوضح فيه يسوع ان حب المرء للجار يعنى حب المرء لعدوه، لم يستطع العلماء المسلمون الذين كانوا وراء كلمة سواء ان يقدموا اساساً واضحاً من سيرة و تعاليم محمد (أو من القرآن) على حب البشر الذين لا ينتمون لدينهم.


2 . 7 حب الله العلائقى

من المدهش ان هذه الرسالة لا تشيرلمحبة الله للجنس البشرى بأجمعه. هناك اشارات عرضية لحب الله لمن يخضعون له (ص6 -7).

الحب لله مُعرّف على انه التفانى- أى الخضوع لله فى كل شيئ- و هو يمقدم كإستجابة إجبارية لتوحيد الله. هذا يعنى أن المفهوم الإسلامى لحب الله، كما هو مقدم فى هذه الرسالة ، لا يحتاج الى الاشارة لحب الله للبشرية جمعاء و لا لفكرة ان الله محبة. ’حب الله‘ مقصور على مفهوم التكريس للاسلام أو الخضوع لله.

هناك تباين شديد بين وجهة النظر الاسلامية والفهم المسيحى لمحبة الله العلائقية: محبة الله اولاً و اخيراً هى استجابة منا لمحبة الله لنا: "وَنَحْنُ نُحِبُّ، لأَنَّ اللهَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً" (رسالة يوحنا الاولى 4 : 19) "لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ" ( رسالة يوحنا الاولى 4 :8 ، 16)


3. الآيات و أسبابها

انه من الواضح للقارئ المتطلع ان عدة من الآيات القرآنية المستشهد بها فى رسالة كلمة سواء لها مدلول تقليدى واضح ينكرالمسيحية مما يعنى ان الاستشهاد بمثل هذه الآيات قد اضعف ما تضمنته الرسالة من حسن النية الذى تقدمه كلمة سواء. كان من واجب القادة المسلمين الموقعين على هذه الرسالة ان يفطنوا لهذا الموقف. ادرج فيما يلى سبعة امثلة:


3 .1 آية الموضوع فى كلمة سواء


اكبر المعضلات هى الآية الرئيسية، سورة لهذه الرسالة، آل عمران 3 :64

’قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ(على الاقل) بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (اى راكعون لإرادة الله)‘.

هناك ثلاثة اعتبارات تجعل من هذه الآية نقطة انطلاق ضعيفة للحوار مع المسيحيين.

السياق التاريخى: كلمة ضد هرقل

اولاً، السياق الاصلى لهذه الآية جاء فى رسالة كتبها محمد لهرقل، قيصر الروم و كانت بمثابة إعلان للحرب. اورد صحيح بخارى، الذى يعتبر انه جاء بأصح الاحاديث عند الإسلام السُنى، اورد نص هذه الرسالة فى كتاب الجهاد، حديث رقم 2940:

بسم الله الرحمن الرحيم. (هذه الرسالة) من محمد عبد الله و رسوله الى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. اما بعد فانى ادعوك بدعاية الاسلام (اى التسليم لله)، اسلم تسلم، و اسلم يأتيك الله اجرتك مرتين، فان توليت فعليك اثم الاريسيين (اى شعبك) و يَا أَهْلَ الْكِتَابِ (اليهود و المسيحيون) تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عُمران 3: 64 ) 8

درج هذا الحديث فى كتاب الجهاد لأنه يوضح المبدأ الذى ارساه محمد فى وجوب دعوة غير المسلمين اولاً لإعتناق الاسلام، قبل الهجوم عليهم. رسالة أسلم (او اعتنق الإسلام) تسلِم تمثل عنصراً اساسياً لإعلان الحرب فى الإسلام.

يتضح هذا فى الحديث رقم 2946 من كتاب الجهاد فى صحيح بخارى الذى يعلن فيه محمد ان

’امرت (بالله) ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله، فمن قال لا اله الا الله عصم منى نفسه و ماله ....‘ 9

السياق الكتابى: جدل ضد المسيحية

عندما ننظر بتمعن فى سياق هذا الحديث فى القرآن نجد ان هذه الآية تأتى فى مجموعة موسعة من الفقرات (سورة آل عمران 3 : 1-80) يرجعها التقليد الاسلامى لزيارة بعض مسيحيي نجران للمدينة. فيما يلى ما كتبه ابن كثير:

’كان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران، أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة رداً عليهم ...‘ 10

بمعنى آخر سورة آل عمران 3: 64 فى سياقها فى القرآن تمثل جدلاً موسعاً ضد عقيدة التجسد المسيحية. فعلى سبيل المثال الآية رقم 61 تستحضر لعنة على المسيحيين بسبب ايمانهم بالتجسد. فى مثل هذا السياق لا يمكن ان تُفهم الآية رقم 64 من سورة آل عمران و التى اوردتها ’كلمة سواء‘ إلا كرفض واضح للفهم اللاهوتى للثالوث المسيحى.

وليس فقط الآيات المتقدمة و لكن الآيات التى تليها هى ايضاً آيات جدلية. فهى تناقش ديانة ابراهيم وتؤكد انه ’ ما كان ابراهيم يهودياً و لا نصرانيا ولكن كان حنيفاً مسلماً‘ (آل عمران 3: 67). هذه الفقرة توضح ان الإسلام فقط -على النقيض من اليهودية و المسيحية- له حق الادعاء بأنه ’الإيمان الابراهيمى‘ لان إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ [محمد] وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ [برسالة محمد]‘. (آل عمران 3: 68)

ففى الحقيقة ان سورة آل عمران 3: 64 تشكل جزءاً من الجدل العدائى ضد المسيحيين المتضمن فى القرآن و كونها آيات متصلة بإعلان الحرب ضد الروم يجعل منها آيات غير مناسبة لوضع اساس لحوار المحبة و السلام مع المسيحيين.


3. 2 اعظم سورة فى القرآن

قد دعت الرسالة سورة الفاتحة ’ اعظم سورة فى القرآن الكريم‘ هذه هى السورة الاولى فى القرآن، يتلوها المسلمون سبع عشرة مرّة فى كل يوم في صلواتهم. و هى تحتوى على الكلمات ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمََ‘. ’صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ‘.

من هم ’المغضوب عليهم و من هم ’الضالين‘؟ يشرح المفسرالقرآنى العظيم ابن كثير:

مسلكين فاسدين، وهما طريقة اليهود والنصارى. ... وللفرق بين الطريقتين؛ ليجتنب كل واحد منهما؛ واليهود فقدوا العمل، النصارى فقدوا العلم، ولهذا الغضب لليهود، والضلال للنصارى. ... وأخص أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال تعالى عنهم: قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ (المائدة: 77) 11

تأيدا لهذا التفسيراستشهد ابن كثير بحديث قال فيه محمد: ’إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى‘.12

تحتوى الصفحات الالكترونية لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي- المؤسسة المُصدِرة لرسالة كلمة سواء (http://ar.acommonword.com/?page=index ) على وصلة الكترونية للعديد من تفاسير القرآن التى يمكن الرجوع لها للتأكد من المعنى المفهوم لسورة الفاتحة والآيات الاخرى التى ناقشناها هنا. على سبيل المثال تحتوى فى صفاحاتها باللغة الانكليزية على تفسير ابن عباس الذى كتب:

ويقال هم النبيون ’غير المغضوب عليهم‘ غير دين اليهود ... ولا دين النصارى الذين ضلوا عن الاسلام. 13

من المعروف لدارسى الإسلام ما هو المقصود من تسويق هذه السورة للمسيحيين فى هذاالسياق. فانه من المعروف للعارفين من المسلمين المتمرسين إنهم يشجبون المسيحية بقرأة هذه الآيات عدة مرات فى كل يوم. الاستشهاد بهذه السورة كجزء من ’الاراض المشتركة‘ التى على المسيحيين ان يقبلوها انما تبعث اشارة واضحة بأن الانسجام المرمى اليه سيتحقق عندما يخضع المسيحيون اخيراً للإسلام و أن الارض المشتركة هى الإسلام نفسه.


3.3 الجهاد كعملٍ للحب؟

الصورة الإضاحية للتفانى التام لله او بعبارة اخرى التفانى فى حب الله جائتنا في استشهاد كلمة سواء بسورة التوبة 9: 38-39 ’ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ... إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً‘ (ص6).

تأتى هذه الآية مباشرةً بعد الآية الواردة فى سورة التوبة 9: 29 النداء العام لإعلان الجهاد ضد المسيحيين و اليهود، ومن المثيرللسخرية انها تقع من ضمن الآيات التى تشير الى سقوط تبوك، و هى أول مرة تحارب فيها قوات محمد ضد المسيحيين . ’ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ‘ تعنى الذهاب الى المعركة. ان الاشارة لهذه الآية يكشف الهدف منها ويبعث على السخرية ايضاً. فمن ناحية هى تحض المسلمين على الذهاب الى حملة جهاد ضد المسيحيين و من ناحية اخرى هى تستخدم لتعليم المسيحيين ان الإسلام يروج اعلى المبادئ فى حب الله من كل القلب.


3. 4 من هم المسيحيون الصالحون؟

اقتباس آخر مثير للسخرية يأتى فى اخر فقرة من كلمة سواء عندما قالوا أن المسلميين ليسوا ضد المسيحيين. الآية التى استشهدوا بها هى:

لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (امامه). يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ ِالْمُتَّقِينَ (آل عمران، 3: 113-115)

تظهر هذ الآيات وكأنها مدح للمسيحيين و قد استخدمت فى كلمة سواء لتعطى هذا الانطباع عينه. و لكن التفسير التقليدى يشير الى المسيحيين الذين يعتنقون الاسلام. هذا ما تبقى من تعليق الشيخ طنطاوى الشيخ بجامعة الازهر

’اليهود ليسوا كلهم سواءً . الصالحون منهم يعتنقون الاسلام‘14

أيات آل عُمران 3: 113-115 تأتى مباشرةً بعد فقرة تفيد بتفوق المسلمين على اليهود و المسيحيين.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ(آل عمران 3: 110)

تأتى الآيات 113- 115 المستشهد بهن فى كلمة سواء بعد هذه الآية. لقد اعطى كاتبوا الرسالة اهلية للآية 113 من سورة آل عُمران بإشارتهم للأقليات من اهل الكتاب (’ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ‘) ممن لا ’يتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ‘ الذى يتحدث عنهم فى آل عمران 3: 110. السؤال الأساسى الذى يجب ان يُطرح هنا ’من هم هؤلاء المسيحيون الصالحون؟

التفسير الأكثر شيوعاً هو أن الآيات 1113-115 تشير الى اهل الكتاب الذين يؤمنون و يعتنقون الإسلام. وضح إبن كثير هذا الامرعندما قدم تعليقاته على هذه الآيات بعنوان ’ فضائل اهل الكتاب الذين يعتنقون الاسلام‘.15

بألمثل ايضاً إبن اسحق فى كتابه السيرة النبوية سجل ان سبب ’انزال‘ الآيات 113- 115 من الله هوتحول بعض الاحبار الى دين محمد. قال بعض اليهود ان اليهود المتحولين إلى الإسلام هم الفاسدين منهم ولكن رد الله كان ’ لا! اليهود الصالحون هم الداخلون الى الاسلام‘:

ولما أسلم عبدالله بن سَلام، ثعلبة بن سَعية، وأُسيد بن سَعية، و بن عُبيد، و من أسلم من يهود معهم، فآمنوا و صدقوا و رغبوا فى الاسلام، و رسخوا فيه، قالت احبارُ يهود، أهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد و لا اتبعه إلا شِرارنا، و لو كانوا من اخيارنا
ما تركوا دين آبائهم و ذهبوا إلى غيره. فأنزل الله تعالى فى ذلك من قولهم:لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونََ. [آل عمران: 113]16


ولإزالة اي التباس تبعت بعدها مباشرة آية آل عُمران 3: 116 لتعلن ان ما تبقى من أهل الكتاب- الذين لم يدخلوا الى الإسلام- مصيرهم نار الجحيم.

وبعدها يأتى التحذير المشهور للمسلمين ان لا يتخذوا اصدقاءاً من غير المؤمنين (فى هذا السياق يقصد اليهود):

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُور. (آل عمران 3: 118-119)

و بالبحث الدقيق فى السياق الذى ادرجت فيه هذه الآية التى استشهد بها كإثبات أن المسلمين ليسوا ضد المسييحيين نجد انها فى حقيقة الامر تشير الى المسيحيين المتحولين إلى الإسلام. ان الاستشهاد بهذه الآية فى كلمة سواء للدلالة على حسن نية المسلمين نحو المسيحيين يقصد به التضليل. احسن ما يمكن ان يقال هنا، هو أن هذه الآيات تحرض على احترام المسيحيين الذين يغيرون دينهم للإسلام.


3. 5 هل المسلمون ضد المسيحيون؟

فى نفس السياق الذى تؤكد فيه كلمة سواء ان المسلمين ’ليسواضد‘ المسيحيين ’ ما داموا لا يشنّون الحرب ضد المسلمين بسبب دينهم، أو يضطهدونهم ويخرجونهم من ديارهم‘ (سورة الممتحنة، 60: 8). ما هو السياق الذى اُدرجت فيه هذه الآية؟

بحسب ما جاء فى الاحاديث هذه الآية انزلت على محمد عندما جاءت والدة أسماء بنت ابوبكر لزيارتها وكانت ما تزال وثنية فى ذلك الوقت. فى بادئ الامر رفضت أسماء ان تستقبل والدتها ولكن محمد صححها بنطقه لسورة الممتحنة 60: 8. لذلك فان المسلمين ليسوا ممنوعين من ان يكونوا لطفاء مع غير المسلمين الذين لا يعارضونهم.

عموماً فإن سورة الممتحنة بكاملها تحض على العداء بين المسلمين و غير المؤمنيين و بالأخص الاقرباء منهم. سياق هذه السورة بكاملها (يدور حول) علاقة اُسرية بين مسلم من المدينة ووثنى من مكة كانت تهدد بتقويض استراتيجية محمد العسكرية لهزيمة مكة.

فى الآية الرابعة من سورة الممتحنة ذُكر اسم ابراهيم على انه مثل جيد لعداء و كراهية الاقرباء:

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا ... (سورة الممتحنة 60: 4) [اُضيف الخط العريض]

عندما تُقرأ الآية الثامنة من سورة الممتحنة فى سياقها الصحيح الذى يأذن للمسلمين ان يُظهروا اللطف لنوعٍ معينٍ من غير المؤمنين نجد صعوبة فى إجاد البينة بأن المسلمين ’مع‘ المسيحيين كما تريدنا كلمة سواء ان نصدق.


3. 6 سورة ألإخلاص – السماع الاسلامى


استشهدت كلمة سواء بسورة الأخلاص فى كلٍ من مُلخص الرسالة و صُلبها (ص3، 13) بأعتبارها معادلة للشما العبرية. هذا الفصل القرآنى القصير جداً هو فصل مشهور، كثيراً ما يردده المسلمون، وهم على دراية كاملة بكل محتوياته. قال محمد ان سورة الإخلاص تساوى ثلث القرآن. كلمة سواء استشهدت بأول آيتين فقط. لكم نص هذه السورة بما فيها ( بألخط العريض) الآيات المُغفلة.

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (سورة ألأخلاص)

هذه السورة تعتبر السورة المركزية لعقيدة التوحيد وهى تحتوى على انكارمحدد لامكانية ان يكون لله ولداًً. و مع ذلك تفيد كلمة سواء مباشرةً بعد الاستشهاد بالجزء الأول من هذه السورة ان ’وحدانية الله ...’تشكل‘ .... أرضية مشتركة يتأسس عليها الإسلام والمسيحية (واليهودية).‘ كان من الممكن ان يكون هذا صحيحاً لو لم يكن التجسد واحداً من اساسيات الايمان المسيحى!

المسلمون هنا يتبعون صحيح ايمانهم فهم يعتقدون ان المسيحية تستمد اصولها من الإسلام و كمسلمين هم يدعون المسيحيين للرجوع إلى إيمانهم الأصلى الذى هو الإسلام. ولكن الذى لم يقدموه هو أرضية مشتركة صلبة لحوار الأديان.


3. 7 إنكارالشرك

الشرك فى تعاليم الإسلام هوخطيئة جعل اى شي مساوياً لله. أو القول بأن شيئاً ما يماثل الله، أو ان شيئاً آخر يستحق العبادة بجانب الله. وبالتحديد عقيدة التجسد المسيحية تعتبر شركا، و القول بأن يسوع هو ابن الله ايضاً يعتبر شركاَ، وهوالخطأ اللاهوتى الرئيسى عند المسيحيين – و بالطبع عند عامة غير المسلميين – جرى القول أنهم ’مشركون‘.

من المهم ان نعرف ان الآيات التى استشهدت بها كلمة سواء تعنى بوضوح رفض الشرك، بما في ذلك سورة البقرة 2: 165 (ص4) التى تدّعى بأن الذين امنوا بالتوحيد يحبون الله اكثر من المشركين. هذه الآية تُعنى ان المسلمين هم اكثر تكريساً لله من المسيحيين. و بالمثل ايضاً سورة الانعام 6: 162-164 (ص7) التى تعلن ان الله ’لا شريك له‘.

الاشخاص المُلِمون بمعرفة الإسلام يعرفون ان هذه المقاطع تُفهم كرفضٍ واضح للإيمان بعقيدة الثالوث. و بالرغم من هذا جاء الاستشهاد بهذه الآيات كجزء من ’الارض المشتركة‘ المطلوب من المسيحيين ان يعطوا موافقتهم عليها.


4. دعوة ام تهديد؟

بالرغم من ان كلمة سواء مقدمة كدعوة الا انها تحتوى على انذاراً بصراع مدمرٍ فى حالة الرفض لهذه الدعوة. هذه تذكِرة للنهج الذى اتبعه محمد للدعوة و يجب ان تُقيّم الرسالة فى ضوء هذا المثل.


4. 1 مراحل الدعوة

من المهم ان تُفهم الدعوة فى سياقها الاكبر. بعض من دعاة الدعوة قدموا لنا ما عُرف بمراحل الدعوة. وفقاً لهذا الرأى فإن الدعوة يمكن ان تمر بمراحل متنوعة. بناءاً على مثال محمد ذاته، يمكن ان تكون هناك مرحلة هادئة اوحتى مخفية فى بناء المجتمع المؤمن. قد يحتاج هؤلاء الناس الى الانتقال –الهجرة- للهروب من القهر. و بعد زمن من التعزيز، يستعد خلالها اتباع الإسلام، يأتى فى النهاية عمل قوى ليفرض ’السلطة العادلة‘ بأسم الله.

من الجائز ان تتحقق أول هذه المراحل فى الشروع للدعوة فى اتمام دعوة غير المسلمين بطريقة سلمية، كما فعل محمد فى مكة. هذه هى الطريقة الموصوفة فى سورة النحل 16: 125. هذه الطريقة يستحسن استخدامها خاصةًً اذا ما كان المسلمون هم الاقلية والاضعف كما كان الحال فى بدء عمل محمد النبوي.

نجد فى سيرة حياة محمد مثالاً لتطور الإسلام عبر مراحل مختلفة، و بناءا عليه فإن الطرق المستخدمة لنشر الدعوة تختلف تبعاً. عندما يترسخ الإسلام و يكون له مكانته من القوة السياسية آنذاك قد تساعد الظروف على تقديم الدعوة بصورة اكثر قوة.


مجيئ الإسلام للطائف

نجد مثالاً لتطور استراتيجية الدعوة فى قصة مجيئ الاسلام للطائف. عندما جاء محمد برسالته الى عرب الطائف سطر لنا كاتب سيرتة ابن اسحق ’كلما اجتمع اليه له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل الى الله و الى الاسلام‘17 و لكنهم رفضوا الدعوة. فى مرحلة لاحقة رجع محمد للطائف بالحصار والاسلحة و الجيوش. اثناء حصار الطائف جدد كعب بن مالك احد المسلمون دعوة محمد للإسلام ولكن المعنى كان مختلفاً تماماً.

فإن تلقوا الينا السِّلم نقبل ونجعلكم لنا عَضُداً و ريفا ( اى رفقاء الاسلام)
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر ولا يكُ أمرنا رعشاً ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تُنيبوا إلى الإسلام إذعاناً مُضيفا 18
نجاهد لا نبالى مَن لقينا أأهلكنا التلاد ام الطريفا
وكم من معشر أَلبوا علينا صميم الجِذم منهم و الحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء فجدَّعنا المسامع و الانوفا 19
بكل مهنّدٍ لين صقيل نسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله و الإسلام حتى يقوم الدين معتدلا حنيف 20

حالف النجاح استخدام القوة فى الدعوة إذ بعد الحصار قبل سكان الطائف الدعوة إلى الإسلام.

يجب ان نقر ان محمد هو نفس الشخص فى كلتا الحاتين وبالتاكيد الدعوة للإسلام لم تتغير. فى نقطة معينة جلس محمد للحوار و فى مرحلة لاحقة اخذ سيفه وحارب ليفرض الإسلام به. النتيجة المطلوبة كانت واحدة فى كلٍ من الحالتين و هى ان يدخل الناس الى الاسلام مع اختلافا الطريقة و الشروط.

عُمير يدعو المكيون للإسلام.

كانت لقدوة محمد اثر فعال فى اتباعة. عمير بن وهب احد رفقاء محمد الذى كان قبلاً يضطهِد المسلمون طلب الحصول على اذن من محمد لاستخدام الاكراه لدعوة الناس إلى الإسلام:

ثم قال [عُمير بن وهب] يا رسول الله، انى كنت جاهداً على اطفاء نور الله، شديد الاذى لمن كان على دين الله .. ، و انا احب ان تأذن لى ، فأقدم مكة، فأدعوهم الى الله تعالى، و الى رسوله و الى الاسلام، لعل الله يهديهم، و الا آذيتهم فى دينهم كما كنت أُذى أصحابك فى دينهم؟ قال: فأذن له رسول الله فلحق بمكة. ... فلما قدم عُمير مكة، أقام بها يدعو الى الإسلام، و يؤذى من خالفه اذى شديداً، فأسلم على يديه ناسٌ كثير. 21

الإسلام يأتى إلى نجران

خالد (بن الوليد) القائد ا المشهور لقوات محمد، المعروف ايضاً بلقب ’سيف الله‘ هو الذى جاء بالإسلام الى نجران ، فى مرحلة سابقةً كانوا اهل نجران قد ارسلوا وفداً هام من المسيحيين لمحمد. هنا ايضاً نجد ان الطريقة المستخدمة هى دعوة مدعومة بألتهديد. نفس العرض المقدم فى رسالة محمد لهرقل: ’أسلم تسلم‘.

ثم بعث رسول الله خالد بن الوليد، فى شهر ربيع الآخر أو جمادى الاولى، سنة عشر، الى بنى الحارث بن كعب بنجران، و امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فاقبل منهم ، و إن لم يفعلوا فقاتلهم. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون فى كل وجه، و يدعون الى الاسلام، و يقولون: ايها الناس، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، ودخلوا فيما دعوا اليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام و كتاب الله وسنة نبيه، وبذلك كان امره رسول الله إن هم اسلموا ولم يقاتلوا. 22


4. 2 موقعوا الرسالة

لكل هذه الاعتبارات لا يجب ان نفاجئ اذا عرفنا ان على الاقل بعض من موقعى هذه الرسالة يؤيدون ايضاً مبدأ دعوة الناس للإسلام فى ظل ظروف اقوى مثل حصار الطائف.

احد موقعى هذه الرسالة هو الشيخ محمد تقي عثماني، العالم الإسلامى البارز و المعروف عالمياً و نائب رئيس مجلس الفقه الاسلامي لمجلس دول منظمة المؤتمر الاسلامي. لقد جادل عثمانى فى كتابه الاسلام و الحداثة ان توسعية الجهاد امر جيد و ينبغي ان يستمر بها المسلمين في هذا اليوم لان الجهاد هو ’الموصى به لانشاء عظمة دين الله‘23 وهو يجادل ايضاً بأن على المسلمين ان يعيشوا بسلام في بلدان مثل بريطانيا وإن عليهم الإستفادة من حريتهم في ممارسه الإسلام ، ولكن فقط إلى حين يأتى وقت فيه يكتسبون القدرة على الدخول في المعركة.

اى قرأة مسيحية لهذه الرسالة يجب ان تأخذ فى الإعتبار ان بعض موقعى هذه الرسالة،على الاقل، سيتعاطفون مع موقف عثمانى و يجب ان تُقرأ الرسالة على هذا الضوء.

يمكن ان تطبق تعاليم الدعوة بأساليب مختلفة، تختلف هذه الأساليب بحسب اختلاف الظروف. فهل يمكن ان نقول ان الطلب المقدم من الموقعين على هذه الرسالة الذى يطالبون فيه بحوارسلمياً ومحترم مع المسيحيين، يعنى انهم لن يتخلون عن هذا الاسلوب اذا تغيرت الظروف، ومن ثم يقدمون دعوة اكثر عنفاً؟ على الرغم من ان بعض الموقعين على كلمة سواء يشغلون وظائف حرة، فإن البعض الآخرمن الشخصيات البارزة مثل عثمانى يؤيدون عولمة الجهاد. يجب أن نفهم انه بسبب الاعتقاد بمراحل الدعوة، فان النهج الاكثر سِلماً الذى اتخذته كلمة سواء لا يعنى انهم تخلوا عن النهج الاكثر عنفاً لنشر الإسلام مثل الجهاد المُسلح فى حالة ما اذا دعى الامر. فمن الجائز أن تكون الدعوة للحوار السلمى هى الخطوة الاولى فقط.

4. 3 تحذير ام تهديد؟

لقد نظرنا بتمعن فى رسالة محمد لشركائه فى الحوارالتى كانت اسلم تسلم. هناك شعور بأن كلمة سواء تروج نفس هذه الرسالة ولكنها تقدمها بحساسية للعالم المسيحى. قالوا للمسيحيين ان المسلمين ليسوا ضد المسيحيين ما دام المسيحيون لا يشنّون الحرب ضد المسلمون. الاهم من ذلك ان كلمة سواء تُعنى أن الصراع سيستمر بين المسلمون و المسيحيون- و ربما بقاء العالم كله فى خطر- ما لم يتلاقى المسيحيون مع المسلمون فى تأيد ما قُدم لهم فى هذه الرسالة. فبالأحرى كانهم يقولون ، ’ماذا سيحدث؟ انضم الينا أو اجنى الزوبعة.‘


4. 4 أسباب للحذر

هناك أسباب وجيهه لان يحذر المسيحيين قبل ان يوافقوا على الحوار في ظل هذا التهديد.

رفع مستوى الحوار الدينى ليس سحراً لوقف القتال

اولاً من الخطأ ان يقال ان الحوار الدينى سيتجنب شيح الارهاب الاسلامى. أُسامة بن لادن لم يوقع كلمة سواء و ليس هناك احتمالاً ان يصبح فى يوما ما من احد موقعيها. الحوار الودى مع المسلمين الذين كانوا وراء هذه المبادرة، ليس به وصفة سحرية للتعامل مع العداء الذى يكنه الاسلاميين ضد المسيحيين و الغرب. كما انه من الصعب ان نرى كيف ستهدأ حملات الجهاد التى تجرى حالياً فى السودان وفلسطين والعراق وكشمير والشيشان وكوسوفو ولبنان و افغانستان والفلبين ونيجيريا و الجزائر والمملكه المتحدة و هلم جرا، لأن علماء الدين المسيحي والاسلامى تحدثوا مع بعضهم البعض في الازهر اوفى الفاتيكان.

الكنيسة لا تملك سلطة قيادة الجيوش

ربما المسيس الاهوتى الإسلامى قد تسبب فى تضليل المسلمين الموقعين على كلمة سواء الشيئ الذى دعاهم للمغالاة فى قدرة المسيحيين على تشكيل القوات العسكرية فى الغرب. الحكومات الغربية وليست الكنيسة هى التى تقاتل فى ’الحرب ضد الارهاب‘. يشكل المسيحيون غالبية سكان أمريكا، و لكن امريكا دولة علمانية و لا يملك اللاهوتيون القدرة على تحريك سياساتها العسكرية. بغض النظر عن ما يقوله بعض الإسلاميين بأن هناك مؤامرة مسيحية كبيرة لتدمير الإسلام، فإن غالبية الامم الغربية المشتركة فى العمل العسكرى ضد المسلمين (فى العراق و فى افغانستان على سبيل المثال) لم يكن دافعهم هو المبادئ المسيحية اللاهوتية.

المعارضة ضد الإسلام ليست قضية مسيحية على وجه التحديد

شيئ اخر يجب ان يؤخذ فى الإعتبار وهوالدليل بتزايد العداء ضد الإسلام – مع تزايد استياء غير المسلمون للنداءات بتطبيق الشريعة الاسلامية – الشيئ الذى لا يمكن تميزه على انه ظاهرة مسيحية. فبعض اقوى الاصوات قناعة فى مكافحة الشريعة فى الغرب هى اصوات صادرة من ملحدين أو من علمانيين مثل كريستوفر هيتشينز مؤلف كتاب الله ليس العظيم و سام هاريس مؤلف كتاب نهاية الإيمان.

الصراع الدينى قضية من جانب واحد

على المسيحيين ان يرفضوا الادعاء بأن الانتشارالواسع لظهورات الجهاد الاسلامى فى العالم ناتجاً بأى طريقة عن الموقف اللاهوتى المسيحى أو سوء النية اللاهوتية التى يظهرها المسيحيين للإسلام. كثير من المسلمين اليوم يعتبرون انفسهم مشاركين فى الجهاد، فى ما يحدث فى النزاعات الهندوسيه والمسيحيه والبوذيه والوثنية و اليهودية و الشيوعيه و العلمانية والإسلامية. بالنسبة الى المسلمين هذه النزاعات قد يكون لها الطابع الدينى. حقاً فالمعروف فى لاهوت الإسلام التقليدى هو ان كل الحروب العادلة هى حروب دينية، رغم ان خصومهم فى غالب الحالات لا يحاربون على أساس دينى (مع بعض الاستثنائات). على سبيل المثال بعض المسلمون يعتبرون انفسهم انهم يحاربون فى جهاد دينى ضد ’الصليبيين‘ فى العراق، ولكن المملكة المتحدة و الولايات المتحدة الامريكية لا يعتبرون ان اعمالهم العسكرية ضد الجهاديه المتمردين فى العراق من قبيل الحرب المسيحية المقدسة.

لا يمكن ان يُسمح للوحدة اللاهوتية ان تكون شرطاً أساسياً للتعايش السلمى

الظاهر ان كلمة سواء تعنى الدلالة على انه طالما ان المسيحيين و المسلمين يشاركون ارضية لاهوتيه مشتركة، فان هذا يجب ان يمكنهم من العيش فى سلام مع بعضهم البعض. للوهلة الاولى قد يكون هذا المنطق جزاباً ولكنه منطق معيب فى اصله.

من احدى النواحى هذه الفكرة القائلة بأن توافق الاراء اللاهوتية سيجلب السلام تعنى انه لا مفر من الصراع فى حالة عدم الاتفاق على اراضى لاهوتية مشتركة. يبدو ان كلمة سواء تمد يد السلام للمسيحيين على الأساس الاهوتى بما فيه التوحيد الذى يبدو انه يستثنى الهندوسيين و البوذيين و الملحدين و الوثنيين. هل يعني ذلك اننا يجب ان نفقد الأمل في السلام بين المسلمين والهندوس أو بين المسيحيين و البوذيين؟

و من الناحية الآخرى اذا قبلنا ان مبدأ أن التوافق اللاهوتى سيجلب السلام، فأى مدى من التوافق سيكفى؟ يقدم لنا التاريخ العديد من الأمثلة لمجموعات متعارضه، و قد كانو متشابهين فى ايدولوجياتهم، و بارغم من ذلك تحاربوا. الشيعة و السنة تقاتلوا فى حروب بالرغم من انهم اقرب جداً فى الأساسيات مما يمكن ان يصل اليه فى اى وقت من الاوقات الاتفاق بين المسيحيين و المسلمين. فكيف يمكن لاتفاق جزئى بين المسيحيين و المسلمين ان يجلب السلام؟

لو ان النقاش كان محصورا فى اللاهوت لما كانت هناك اى مشكلات: القضية هى فيما اقترحه قادة المسلمين ان السلام متوقف على ما يمكن ان يتحقق من الاتفاق اللاهوتى. اذا قبلنا بهذا يمكننا ان ننتهى الى قبول تبرير الحروب لأسباب دينيه. لا يسعنا ان نقدم اى دعم لفكرة ان الخلافات اللاهوتيه يمكن ان تبرير الذهاب الى الحرب.

لكى نتفادى الحرب، دع السلام يأتى عندما يتفق الناس على احترام بعضهم البعض كأدميين، عندما يشجبون الطمع و ارادة السيطرة على الاخرين، عندما تحترم حقوق الانسان الاساسية، و عندما تنتصر الارادة للمصالحة على تبرئة الذات و الكراهية و الانتقام. دع السلام يعم عندما يتفق الناس ان الاختلافات اللاهوتية لا يمكن ان تكون اساساً للذهاب للحرب.


5. الخُلاصة

هناك نهجان اساسيان لأخذ كلمة سواء.

النهج الاول، ان تؤخذ الرسالة على انها بادرة صداقة، خطوة تشتمل على فتحاً لباب الحوار فى جو من التوتر والشك المتبادل. النهج الثانى، هو ان تُؤخذ الرسالة على انها ممارسة لنشر الدعوة، اى دعوة المسيحيين الى تأييد عقيدة التوحيد الإسلامية.

اى كان اختيار القارئ المسيحى، عليه توخى الحذر قبل ان يرد. هناك خطورة بالنسبة لكثير من المسيحيين، اذا كانوا يجهلون الإسلام، فى انهم يؤيدون كلمة سواء قبل ان يبذلوا مجهودا فى فهمها، الشيئ الذى سيقود حتماً لأسلمة الحوار.

السؤال الذى يجب ان يُطرح هنا هو: هل هذا الجسر الذى بناه لنا المسلمون لنمشى عليه معهم، مبنى على اساس معقول لتحسين التفاهم و التواصل المتبادل، او انه فى الحقيقة طريقاً مبنى بعناية للعبوربنا إلى الإسلام؟

لقد تجنب كاتبوا كلمة سواء بعناء شديد، الهجوم المكشوف والمباشرعلى العقائد المسيحيه التي يرفضها الإسلام، مثل عقديدة التجسد وعقيدة الصلب. وبهذه الطريقة اتخذت الرسالة فى ظاهرها سمة الجدية فى مهمتها لإيجاد أرضية مشتركة.

و من الناحية الاخرى، الكثير من الآيات القرآنيه المستشهد بها فى هذه الرسالة لا يمكن فصلها من جدل العداء الاسلامى التقليدى للمسيحين. هذا ما نراه، على سبيل المثال، فى تكرار التصريحات ضد الشرك مثل ’لاشريك له‘. واقعياً كل المسلمون يفهمون هذه التصريحات على انها انكار واضح لعقيدة التجسد، و مع ذلك فقد طُلب من المسيحيين ان يؤيدوا كلمة سواء بدون ان يوضح لهم هذا المفهوم. سيتحمل المسيحيون خسائر جسيمة اذا ما مشوا على هذا الجسر، فسينكرون أو سيهمشون معتقاداتهم الاساسية فى نظر محاوروهم المسلمون.

على الرغم من نهج الدعوة للحوارالمتبع فى هذه الرسالة الا انه ينبغى على المسيحيين ان لا يتوهمون بأن هذه الراسلة لاتحتوى فى داخلها على حزمة لاهوتية. فهذه الرسالة ليست خروجاً عن موقف الإسلام الكلاسيكى القائل بأن الدين المسيحى قد نُسخ.

يمكن للمسيحيين ان يتخذوا اى من الاستراتيجيتين الأساسيتين للرد على هذه الرسالة. احد هذين الطريقين ان يكون الرد بلطف وان يُقدم التحدى للمواقف الإسلامية بصورة غير مباشرة. و بدلاً عن التحديات يقدم لُب الإيمان المسيحى بصورة جذابة على قدر الإمكان و أن تقدم الدعوة إلى المسلمين للاتفاق مع هذة العقائد (المسيحية)، كل هذا بدون التعرض للرفض المباشر لما جاء فى كلمة سواء من تقديمات لعقيدة التوحيد. هذة الاستراتيجة على الاقل ستبقى باب الحوار مفتوحاً.

و لكن من الناحية الاخرى (يمكن القول مجازاً) ان الأفيال مازالوا فى الغرفة، وفى النهاية لا يمكن السماح لهم بالاستمرار فى اخفاء انفسهم. الناس يعانون عندما نترك المجال لهذه الامور، لأن بعض هذه الافيال حيوانات ضخمة، و من المفيد ان نعرف انهم موجودون ونعرف مكان وجودهم حتى لا نكن مداساً لهم. اذاً فالاستراتجية الثانية ببساطة هى ’اخراج‘ الأفيال. وهذه المذكرات مقدمة كمرجع للذين يرغبون فى اخذ هذا الطريق.

اقترح ان يكون افضل نموذج لحوار الاديان هو ان لا يبدأ الحوار بأن يُطلب من الطرف الآخر أن يتفق مع الإيمان الرئيسى للطرف السائل. لا يمكن الشروع فى الحوار الفعال الا بإحترام فردية الطرف الآخر، و ليس عن طريق محاولة اعادة تعريف المعتقد ليقارب ما يعتقده المتحاور.

مهما كان النهج المتخذ، لا ينبغى على المسيحيين ان يقعوا فى خطأ ان يسلموا للمسلمين بما لم تطلبه منهم كلمة سواء نفسها. كاتبوا الرسالة المسلمون لم يقدموا عرضاً للمصالحة. فليس فى الرسالة ما يقترح ان القادة المسلمين يودون الاعتذار عن حملات الجهاد، أو إنهم يعترفون بأثارها المدمرة للإنسانية. بدلاً عن ذلك هم يصمُتون عن آيات القتال القرآنية و يعطوا المعنى أن المسلمين كانوا ضد المسيحيين فقط لأن المسيحيين كانوا قد اضطهدوا المسلمين قبلاً (ص14). هذا يعنى ان الرد المسيحي الذى يتناسى المبادئ الرئيسية للتبادل، ويستجيب للرسالة بالاعتذارللمسلمين عن اضظهادهم، سيقوم بإفراغ الساحة لحوارغير متكافئ، وأحد المبادئ الأساسية فى هذا الحوار سيكون التصديق على الرأى الإسلامى فى ان الجهاد التاريخى ضد المسيحية الذى نتج عنه احتلال عسكرى لأغلب العالم المسيحى (بأستثناء غرب اوربا) كان عملاً صالحاً، و لا ينبغى على المسيحيين ان يعتبروه معطلاً للحوار.

لعل احكم الردود هو الرد الذى جائنا به البابا (بابا الفاتيكان). حيث أشار لوجود اختلافات عميقة بين الإسلام و المسيحية من حيث الموقف اللاهوتى كما انه أقر ان هناك نقاط مشتركة فى الإيمان بين المسيحية و الإسلام - ولكن ليس بالضرورة أن تكون هى نفس النقاط التى قدمتها كلمة سواء- ببساطة لقد دعا البابا المسلمون ليتحدثوا مع ممثليه.


هوامش


(1) تفسير ابن كثير altafsir.com

(2) جريدة الكنيسة الانجليزية الصادرة بتاريخ 25 اكتوبر 2007

(3) من المدهش ان كلمة سواء قد ارجعت هذا الحديث لسنن الترمذي، كتاب الدعوات (اى كتاب التبشير) 462/5، رقم 3383

(4) النسخة الانكليزية من الرسالة استشهدت بكل من بخارى و مسلم بينما لم يرد الا الاستشهاد بحديث واحد وهو ما جاء به مسلم فى النسخة العربية.

(5) The translation of the meanings of Sahih Al-Bukhari. Vol 1: pp.60-61. Trans. Dr Muhammad Muhsin Khan. Riyadh: Darussalam.

(6) Sahih Muslim. Vol 1:38. Trans. Abdul Hamid Siddiqi. New Delhi: Kitab Bhavan.
و ايضاَ الاصل العربى لصحيح مسلم، شرح الامام محى الدين النووى 1-2، صفحة رقم 206-207 باب 17/18، الطبعة الثالثة، دار المعرفة للطباعة و النشر و التوزيع.

(7) صحيح مسلم ، شرح الامام محى الدين النووى1-2، صفحة رقم 206-207، باب 17/18، الطبعة الثالثة، دار المعرفة للطباعة و النشر و التوزيع.
(8) فتح البارى شرح صحيح بخارى المجلد السادس باب 102 حديث رقم 2940 ص 135 الطبعة الاولى 2000م. دار السلام للنشر و التوزيع.
(9) فتح البارى شرح صحيح بخارى المجلد السادس باب 102 حديث رقم 2945 ص 136 الطبعة الاولى 2000م . دار السلام للنشر و التوزيع
(10) تفسير إبن كثير altafsir.com
(11) تفسير إبن كثير altafsir.com
(12) تفسير إبن كثير altafsir.com
(13) الاصل العربى فى هذا الحديث منقول عن تنوير المقباس من تفسير إبن عباس .دار الاشراق للطباعة و النشر الطبعة الاولى 1988م /بيروت.
(14) Banu Isra’il fi al-Qur’an wa al-Sunna [Jews in the Koran and the Traditions], 1986. English translation by Dr. Michael Schub. .
الترجمة العربية مأخوذة عن الانكليزية حيث لم نستطع الوصول الى اصل هذا الحديث فى اللغة العربية.
(15) تحتوى الترجمة الانكليزية لابن كثير على هذا العنوان التوضيحى.
(16) السيرة النبوية لابن هشام. تحقيق مصطفى السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى. صفحة رقم 170 الجزءالثانى. الطبعة الثالثة 2000م / دار إحياء التراث العربى. بيروت. لبنان.
(17) السيرة النبوية لابن هشام مصطفى تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى الجزء الثانى صفحة رقم 38، الطبعة الثالثة 2000م. دار احياء التراث العربى. بيروت. لبنان.
(18) نجالد: نحارب بالسيوف. الاذعان :الخضوع و الإنقياد. ومضيفا تعنى ملجئا. بحسب ما جاء فى حواشى السيرة النبوية لابن هشام مصطفى تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى الجزء الرابع، صفحة رقم ،132 الطبعة الثالثة 2000م. نشر دار احياء التراث العربى بيروت. لبنان.
(19) جدعنا: قطعنا، و اكثر ما يستخدم فى قطع الانوف . بحسب ما جاء فى حواشى السيرة النبوية لابن هشام مصطفى تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى الجزء الرابع، صفحة رقم ،132 الطبعة الثالثة 2000م. نشر دار احياء التراث العربى بيروت. لبنان.
(20) هذه القصيدة مسجلة فى السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى، الجزء الرابع، صفحة رقم ،132 الطبعة الثالثة 2000م. نشر دار احياء التراث العربى.
(21) السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى، الجزء الرابع، صفحة رقم ،132 الطبعة الثالثة 2000م. نشر دار احياء التراث العربى.
(22) السيرة النبوية لإبن هشام. تحقيق السقا و ابراهيم الابيارى وعبد الحفيظ شلبى، الجزء الثانى. صفحة رقم 274، الطبعة الثالثة 2000م. دار احياء التراث العربى/ بيروت- لبنان.
(23) مأخوذ عن جريدة التايمز اللندنية التى قامت بنشر اجزاء من كتابات عثمانى عن الجهاد. السبت 8 سبتمبر 2007. بقلم اندرو نورفولك http://www.timesonline.co.uk/tol/comment/faith/article2409833.ece